للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذه السنة سار الفاروق عمر -رضي الله عنه- فقد نهج منهج الصديق في تثبته بل وزاد عليه. روى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن أبا موسى -يعني الأشعري- سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات, فلم يؤذن له, فرجع. فأرسل عمر في إثره فقال له: لم رجعت؟ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع" , قال: لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك, فجاء أبو موسى منتقعا لونه, ونحن جلوس, فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا, وقال: هل سمعه أحد منكم؟ قلنا: كلنا سمعه, فأرسلوا معه رجلا حتى أتى عمر فأخبره١ وروي أنه قال لأبي موسى: "إن كنت لأمينا على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني أردت أن أستثبت" وقال عمر الفاروق: "بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم في مقدمة صحيحه٢ وهذا أبو الحسن علي رضي الله عنه يقول: "كنت إذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني به, وكان إذا حدثني غيره استحلفته فإذا حلف صدقته" ويقول: "حدثوا الناس بما يعرفون, ودعوا ما ينكرون, أتحبون أن يُكذب الله ورسوله".

قال الإمام الذهبي: "فقد زجر الإمام رضي الله عنه عن رواية المنكر وحث على التحديث بالمشهور وهذا أصل كبير في الكف عن بث الأشياء الواهية والمنكرة من الأحاديث في الفضائل، والعقائد, والرقائق، ولا سبيل إلى معرفة هذا من هذا إلا بالإمعان في معرفة الرجال والله أعلم"٣.

وقد اتبع هذا المنهج أيضا سائر الصحابة المكثر منهم والمقل, فهذا عبد الله بن مسعود أقرب الناس من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هديا ودلا وسمتا


١ المرجع السابق ص٦.
٢ صحيح مسلم بشرح النووي ج١ ص٧٥.
٣ تذكرة الحفاظ ص١٣.

<<  <   >  >>