للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلوم والمعارف، وكانت هذه الفئة التي تذهب هذا المذهب الرديء فئة قليلة محصورة مغمورة لا أثر لقولها في شيء من العلم.

ولكن نبغ١ في عصرنا هذا بعض النوابغ ممن اصطنعتهم أوربا وادخرتهم لنفسها من المسلمين فتتبعوا شيوخهم من المستشرقين -وهم طلائع المبشرين- وزعموا كزعمهم أن كل الأحاديث لا صحة لها ولا أصل, وأنها لا يجوز الاحتجاج بها في الدين. وبعضهم يتخطى القواعد الصحيحة ثم يذهب يثبت الأحاديث وينقيها بما يبدو لعقله وهواه من غير قاعدة معينة ولا حجة ولا بينة, وهؤلاء لا ينفع فيهم دواء إلا أن يتعلموا العلم, ويتأدبوا بأدبه, ثم الله يهدي من يشاء.

وأما الطعن في الأحاديث الصحيحة جملة, والشك في صحة نسبتها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنما هو إعلان العداء للمسلمين ممن عمد إليه عن علم ومعرفة، أو جهل وقصر نظر، ممن قلد فيه غيره ولم يعرف عواقبه وآثاره، فإن معنى هذا الشك والطعن أنه حكم على جميع الرواة الثقات من السلف الصالح رضي الله عنهم بأنهم كاذبون مخادعون مخدوعون, ورمى لهم بالفرية والبهتان, أو بالجهل والغفلة, وقد أعاذهم الله من ذلك وهم يعلمون يقينا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار", وقال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".

فالمكذب لهم في روايتهم إنما يحكم عليهم بأنهم يتقحمون في النار تقحما، وإنهم لم يكونوا على شيء من الخلق أو الدين, فإن الكذب من أكبر الكبائر، ثم هو من أسوأ الأخلاق وأحطها, ولن تفلح أمة يفشو فيها الكذب, ولو كان في صغائر الأمور فضلا عن الكذب في الشريعة, وعلى سيد الخلق وأشرف المرسلين, وقد كان أهل الصدر الأول من


١ أي ظهر.

<<  <   >  >>