للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفرق بين الرواية والشهادة أن الشهادة اعتبر فيها معانٍ أخرى تتوقف عليها منها: التمييز بين الأشياء، والإشارة إلى المشهود به وعليه. وهذا لا يمكن مع العمى, وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "على مثل الشمس فاشهد".

وأما العبد والمرأة فلأن الشهادة من باب الولاية, فإن الشاهد سيلزم المشهود عليه المشهود به, ولا ولاية لهما على غيرهما لانتقاصها بالأنوثة وانعدامها بالرق, وأما الإخبار بالحديث فليس من باب الولاية؛ لأن الناقل لا يلزم المنقول إليه شيئًا بل الحكم المستفاد من الحديث يلزم المنقول إليه بالتزامه الشريعة.

وأما المحدود في قذف فلأن رد شهادته عند من يرى ذلك من تمام حده وقد ثبت ذلك بالنص, وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٤، ٥] فبعد التوبة لا تقبل شهادته, ويقبل حديثه بناء على عدالته حينئذ لزوال اسم الفسق عنه، وذلك لأنهم يجعلون الاستثناء عائدًا على الأخير وهو الفسق لا على رد الشهادة كما ذكرنا وأيضًا فلو اشترط لقبول الرواية الذكورة أو الحرية أو العدد لتعطلت أحكام كثيرة, فقد رويت أحاديث كثيرة في الأحكام والآداب عن أمهات المؤمنين وغيرهن, وكثير منها مروي عن الموالي والمماليك كعكرمة مولى ابن عباس, ونافع مولى ابن عمر, وبلال الحبشي, وصهيب الرومي وغيرهم وكثير من الأحاديث مروية بطريق الآحاد ولم ترد إلا من طريق واحد فقط وبذلك ظهرت الحكمة في الفرق بين عدل الرواية وعدل الشهادة.

<<  <   >  >>