جمهور العلماء على أن العدالة لا تقبل الزيادة والنقصان فهي كالإيمان عند من يقول بعدم قبوله ذلك.
والصحيح أن العدالة كالضبط تقبل الزيادة والنقصان والقوة والضعف وقد أشار إلى ذلك علماء الأصول في باب الترجيح في الأخبار وصرح به العلامة نجم الدين سليمان الطوفي في "شرح الأربعين" حيث قال: "إن مدار الرواية على عدل الراوي وضبطه, فإن كان مبرزا فيهما كشعبة وسفيان ويحيى القطان ونحوهم فحديثه صحيح, وإن كان دون المبرز فيهما أو في أحدهما لكنه عدل ضابط بالجملة فحديثه حسن", وهذا هو أجود ما قيل في هذا المكان.
واعلم أن العدالة والضبط إما أن ينتفيا في الراوي, أو يوجد فيه العدالة وحدها أو الضبط وحده, فإن انتفيا فيه لم يقبل حديثه أصلا, وإن اجتمعا فيه قبل وهو الصحيح المعتبر, وإن وجدت فيه العدالة دون الضبط قبل حديثه لعدالته وتوقف فيه لعدم ضبطه حتى يوقف على شاهد منفصل يجبر ما فات من صفة الضبط, وإن وجد فيه الضبط دون العدالة لم يقل حديثه لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية, ثم إن كل واحد من العدالة والضبط له مراتب: عليا, ووسطى, ودنيا. ويحصل بتركيب بعضها مع بعض مراتب للحديث مختلفة في القوة والضعف وهي ظاهرة مما ذكرناه١.
ولعل الذي أوجب خفاء تفاوت العدالة عند بعض العلماء أنهم رأوا أن أئمة الحديث قلما يرجعون بها, وإنما يرجحون بأمور تتعلق بالضبط, وسبب ذلك أنهم رأوا أن الترجيح بزيادة العدالة ربما يوهم الناس أن الراوي الآخر غير عدل فيسوء به ظنهم, ويشكون في سائر ما يرونه.