من فيه مستتراً لا يراه إلا من دخل أو أشرف عليه وكانت المذاهب بين المنازل متضايقة لا يمكن من التحرف فيها ما يمكن في الصحراء فلما ذكر ابن عمر ما رأى من رسول الله من استقباله بيت المقدس وهو حينئذ مستدبر الكعبة دل على أنه إنما نهى عن استقبال الكعبة واستدبارها في الصحراء دون المنازل.
قال الشافعي: وسمع أبو أيوب الأنصاري النهي من رسول الله ولم يعلم ما علم ابن عمر من استقباله بيت المقدس لحاجته فخاف المأثم في أن يجلس على مرحاض مستقبل الكعبة وتحرف لئلا يستقبل الكعبة وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره ورأى ابن عمر النبي في منزله مستقبلاً بيت المقدس لحاجته فأنكر على من نهى عن استقبال القبلة لحاجته وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره أو لم يرو له عن النبي خلافه ولعله سمعه منهم فرآه رأياً لهم لأنهم لم يعزوه إلى النبي ومن علم الأمرين معاً ورآهما محتملين أن يستعملا استعملهما معاً وفرق بينهما لأن الحال تفترق فيهما بما قلنا وهذا يدل على أن خاص العلم لا يوجد إلا عند القليل وقلما يعم علم الخاص وهذا مثل حديث النبي في الصلاة جالساً والقوم خلفه قيام وجلوس فإن قيل فقد روى سلمة بن وهرام عن طاوس حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها الغائط أو بول قيل له: هذا مرسل وأهل الحديث لا يثبتونه ولو ثبت كان كحديث أبي أيوب وحديث ابن عمر عن النبي مسند حسن الإسناد أولى أن يثبت منه لو خالفه فإن كان قال طاوس: حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها فإنما سمع والله أعلم حديث أبي أيوب عن النبي فأنزل ذلك على إكرام القبلة وهي أهل أن تكرم والحال في الصحارى كما حدث أبو أيوب وفي البيوت كما حدث ابن عمر لا أنهما يختلفان.
قال الشافعي: وقد قيل إن الناس كانوا يبنون مساجد بحط حجارة في الطريق فنهى أن تستقبل للغائط أو البول فيكون متغوطاً في المساجد أو مستدبراً فيكون الغائط والبول بعين المصلي إليها ويتأذى بريحه وهذا في الصحارى منهي عنه بهذا الحديث وبغيره بأن يقال: اتقوا الملاعن، وذلك أن يتغوط في ممر الناس في طريق من ظلال المسجد أو البيوت والشجر والحجارة وعلى ظهر الطريق ومواضع حاجة الناس في الممر والمنزل.