البينة، أفخالفتم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، قالوا: لا ولكنه جملة يحتمل أن يراد به الخاص ولما وجدنا عمر يقضي في القسامة فيعطي بغير بينة ويحلف ويغرم، قلنا: جملة البينة على المدعي عام أريد به الخاص لأن عمر لا يجهل قول النبي ولا يخالفه.
قال الشافعي: فقيل له: أقول رسول الله أدل على قوله أم قول غيره قال: لا بل قول رسول الله أدل على قوله، قلت وهو الذي زعمنا نحن وأنت لأنه لا يستدل على قول رسول الله ولا غيره إلا بقول نفس القائل وأما غيره فقد يخفي علينا قوله، قال: وكيف تقول؟ قلت: أحل ما أحل من بيع العرايا وأحرم ما حرم من بيع المزابنة وبيع الرطب بالتمر سوى العرايا وأزعم أن لم يرد بما حرم ما أحل ولا بما أحل ما حرم فأطيعه في الأمرين وما علمتك إلا عطلت نص قوله في العرايا وعامة من روى عنه النهي عن المزابنة، روي أن النبي أرخص في العرايا فلم يكن للتوهم ههنا موضع فنقول: الحديثان مختلفان ولقد خالفه في فروع بيع الرطب بالتمر، قال: ووافقنا بعض أصحابنا في جملة قولنا في بيع العرايا ثم عاد فقال لا تباع إلا من صاحبها الذي أعراها إذا تأذى بدخول الرجل عليه بتمر إلى الجذاذ، قال: فما علمته أحلها فيحلها لكل مشتر ولا حرمها فيقول قول: من حرمها وزاد فقال: تباع بتمر نسيئة والنسيئة عنده في الطعام حرام ولم يذكر عن النبي ولا غيره أنه أجاز أن تباع بدين فكيف جاز لأحد أن يجعل الدين في الطعام بلا خبر عن رسول الله وأن يحل بيعاً من إنسان يحرمه من غيره فشركهم صاحبنا في رد بيع العرايا في حال وزاد عليهم إذا أحلها إلى الجذاذ فجعل طعاماً بطعام إلى أجل وإلى أجل مجهول لأن الجذاذ مجهول والآجال لا تجوز إلا معلومة، قال: والعرايا التي أرخص رسول الله فيها فيما ذكر محمد بن لبيد قال: سألت زيد بن ثابت فقلت: ما عراياكم هذه التي تحلونها؟ فقال: فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا ورق يشترون بها وعندهم فضل تمر من قوت سنتهم فأرخص لهم رسول الله أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطباً.