عليه المجمل فقال: أرأيت هذه الأحاديث أمختلفة هي؟ قلت ما يخالف منها واحداً واحداً قال: فابن لي من أين اتفقت ولم تختلف قلت: أما ابن عمر فيقول: إن رسول الله قال: من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه. فدل هذا على أن لا يجوز لمبتاع طعاماً بيعه قبل أن يستوفيه لأنه والله أعلم مضمون بالبيع على البائع فلا يكون من ضمان غيره بالبيع ويأخذ هو ثمنه وربحه وهو لو هلك في يد البائع قبل أن يقبضه المبتاع أخذ منه رأس ماله وكان كمن لا بيع بينه وبينه وأما حديث طاوس عن ابن عباس فمثل حديث ابن عمر والله أعلم إلا أنه لم يذكر فيه من ابتاع طعاماً وفيه دلالة، إذ قال: أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالطعام أن يباع حتى يعلم يعني حتى يكال وإذا اكتاله المشتري فقد استوفاه وإن كان حديث ابن عمر أوضح معنى منه فأما حديث حكيم بن حزام فإن رسول الله نهاه والله أعلم عن أن يبيع شيئاً بعينه لا يملكه والدليل على أن هذا معنى حديث حكيم بن حزام والله أعلم حديث أبي المنهال عن ابن عباس أن رسول الله أمر من سلف في تمر سنتين أو ثلاث أن يسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وهذا بيع ما ليس عند المرء ولكنه بيع صفة مضمومة على بائعها وإذا أتى بها البائع لزمت المشتري وليست بيع عين، بيع العين إذا هلكت قبل قبض المبتاع انتقض فيها البيع ولا يكون بيع العين مضموناً على البائع فيأتي بمثله إذا هلكت فقال كل ما قلت كما قلت وبه أقول، فقلت له: ولا تجعل عن رسول الله حديثين مختلفين أبداً إذا وجد السبيل إلى أن يكونا مستعملين فلا نعطل منهما واحداً لأن علينا في كل ما علينا في صاحبه ولا نجعل المختلف إلا فيما لا يجوز أن يستعمل أبداً إلا لطرح صاحبه قال: فقلت له: ولو ذهب ذاهب في هذه الأحاديث إلى أن يجعلها مختلفة فيقول: حكى ابن عباس قدوم النبي المدينة وهم يسلفون فأمرهم أن يسلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم وهذا أول مقدمة، ثم حكى حكيم بن حزام وإنما صحبه بعد الفتح أن النبي نهاه عن بيع ما ليس عنده والسلف في صفة بيع ما ليس عنده فلا يحل السلف.
هل الحجة عليه إلا أن يقال له: السلف صنف من البيع غير بيع العين ونستعمل الحديثين معاً ونجد عوام المفتين يستعملونهما وفي استعمال عوام المفتين