من آيات الله في حسن الصوت، آخذاً بطرف صالح من العربية، ذا حظ من رواية الحديث ذكياً فهماً يقظاً ضريراً، وأجتاز المنصور من بني عبد المؤمن به يوماً وهو يقرأ بمقبرة على جاري عادته فأخذ بقلبه طيب نغمته وحسن إيراده، فقربه وأستخلصه وأمره بتعليم أولاده وقراءة حزب من التراويح في رمضان، فكان يقرأه بحرف عاصم ويؤثره على غيره؛ ثم خبر أحواله وعرف صونه وعفافه فأمره بتعليم بناته فاستعفاه من ذلك معتذراً بأنه يدرك بعض التفرقة بين الألوان، فأحظاه ذلك عنده لما تحقق من صدق، نصحه، والزمه تعليمهن، وكان ذلك سبب إثرائه وسعة حاله واقتنائه الرباع الجيدة الكثيرة بمراكش، وغيرها. وانتهى استغلاله من رباعه بمراكش وحدها خمسمائة درهم من دراهمهم في اليوم الواحد؛ وإليه ينسب الحمام الذي بالعدوة الشرقية من ساقية مراكش على المحل (١) الأعظم منها والعقار المجاور له. ولما توجه المنصور إلى سلا مستصحباً أولاده أمرهم بالكون مع أبي الحسن هذا وألحف به، فلما برز أهل سلا للقاء المنصور رأى بعضهم أبا الحسن هذا يحف به أولاد المنصور ويعظمونه ويوقرونه فقال هكذا ينبغي أن يرجع الغريب إلى وطنه وإلا فلا.
ولما شرع في بنائه المشار إليه - وذلك في أيام الناصر بن المنصور - عرض له ملك أحد جيرانه مما يصلح بناءه فرام شراءه [١٢٢ ظ] منه فامتنع من بيعه إلا بزيادة كثيرة على قدر قيمته، فأجرى ذلك أبو الحسن مع من أوصله إلى الناصر، فذكر الناصر لأهل مجلسه هذه القصة