للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ما رأت عيناي لابس حمرة ... تقطع قلبي حسرة وتفطرا

غدا لدماء الناس باللحظ سافكاً ... وضرج منها ثوبه فتعصفرا ومنها أن يجود المرء يبذل كل ما كان يقدر عليه مما كان يمتنع (١) به قبل ذلك، كأنه هو الموهوب له والمسعي في حظه، كل ذلك ليبدي محاسنه ويرغب في نفسه؛ فكم بخيل جاد، وقطوب تطلق، وجبان تشجع، وغليظ الطبع تظرف، وجاهل تأدب، وتفل (٢) تزين، وفقير تجمل، وذي سن تفتى، وناسك تفتك، ومصون تهتك.

وهذه العلامات تكون قبل استعار نار الحب وتأجج حريقه، وتوقد شعله واستطارة لهبه. فأما إذا تمكن وأخذ مأخذ فحينئذ ترى الحديث سراراً، والإعراض عن كل من حضر إلا عن المحبوب جهاراً. ولي أبيات جمعت فيها كثيراً من هذه العلامات، منها: [من البسيط]

أهوى الحديث إذا ما كان يذكر لي ... فيه ويعبق لي عن عنبر أرج

عن قال لم أستمع ممن يجالسني ... إلى سوى لفظه المستظرف الغنج

ولو يكون أمير المؤمنين معي ... ما كنت من أجله عنه بمنعرج

فإن أقم عنه مضطراً فإني لا ... (٣) أزال ملتفتاً والمشي مشي وجي

عيناي فيه وجسمي عنه مرتحل ... مثل ارتقاب الغريق البر في اللجج

أغض بالماء إن أذكر تباعده ... (٤) كمن تثاءب وسط النقع والرهج

وأن تقل ممكن قصد السماء أقل ... نعم وإني لأدري موضع الدرج


(١) في طبعة بتروف: ممتنع؛ وهو خطأ من حيث الاعراب، والاقرب أن يقرأ " يمتنع " بدلاً من قراءته " ممتنعاً ".
(٢) يقترح الأستاذ غرسيه غومس أن تقرأ " وتفر " (الترجمة الاسبانية: ١٠٧، الحاشية: ٢) ، وهو تخريج بعيد، والتفل هو الذي ترك استعمال الطيب، وهذا هو الذي يستدعي " التزين ".
(٣) الوجي: الذي يجد وجعاً في قدمه.
(٤) الرهج: الغبار؛ وهو كالنقع، وأما " الوهج " عند برشيه وغيره فلا معنى له في هذا المقام.

<<  <  ج: ص:  >  >>