للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن علاماته وشواهده الظاهرة لكل بصر: الانبساط الكثير الزائد [في المكان الضيق] (١) والتضايق في المكان الواسع، والمجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما، وكثرة الغمز الخفي، والميل بالأتكاء، والتعمد لمس اليد عند المحادثة، ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة، وشرب فضلة ما أبقى المحبوب في الإناء، وتحري المكان الذي يقابله فيه.

ومنها علامات متضادة، وهي على قدر الدواعي والعوارض الباعثة والأسباب المحركة والخواطر المهيجة. والأضداد أنداد، والأشياء إذا أفرطت في غايات تضادها، ووقفت في انتهاء حدود اختلافها تشابهت، قدرة من الله عز وجل تضل فيها الأوهام. فهذا الثلج إذا أدمن حبسه في اليد فعل فعل النار، ونجد الفرح إذا أفرط قتل، والغم إذا أفرط قتل، والضحك إذا كثر واشتد أسال الدمع من العينين. وهذا في العالم كثير، فنجد المحبين إذا تكافيا في المحبة وتأكدت بينهما تأكداً شديداً كثر تهاجرهما (٢) بغير معنى، وتضادهما في القول تعمدا، وخروج بعضهما على بعض في كل يسير من الأمور، وتتبع كل منهما لفظة تقع من صاحبه وتأولها على غير معناها، كل هذه تجربة ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما في صاحبه.

والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجرة والمضادة المتولدة عن الشحناء ومحاربة (٣) التشاجر سرعة الرضى، فإنك بينما ترى المحبين


(١) ما بين معقفين زيادة لاحداث شيء من التطابق في العبارتين " الانبساط في المكان الضيق، والتضايق في المكان الواسع " والزيادة من وضع برشيه، ولم ترد عند الحنبلي فيما نقله عن ابن حزم؛ مما حدا بغرسيه غومس أن يعدها نزوة من المحقق.
(٢) تهاجرهما: تعرضت اللفظة لتصحيف طريف في مختلف الطبعات فجاءت " بهما جدهما "، والتهاجر ليس هجرة، ويقول ابن حزم بعد قليل " والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجرة والمضادة المتولدة عن الشحناء الخ ".
(٣) المحاربة: تبادل الاحراج وهو إثارة التضايق بالمماحكة؛ وفي بعض الطبعات " المخارجة " - بالخاء المعجمة - ولا أراه يصح هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>