للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباري عز وجل بعدد لا يزيد أبداً ولا ينقص، فنحن على يقين من أنه لا يحدث حيوان لم يحدث بعد، مثل ذي أربع من الجمال يطير أو ذي ثلاثة رؤوس ولا أن الخيل تفنى حتى لا يوجد في العالم فرس وكذلك سائر الأنواع. وقد نبه الرسول عليه السلام على ذلك بقوله: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها " (١) . ففي هذا إخبار أن كل أمة من الأمم لا سبيل إلى إعدامها. وقال تعالى في أنه لا مزيد في الأنواع (٢) {وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلماته} (الأنعام:١١٥) وكذلك قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} (البقرة: ٣١) .

برهان ثان: جميع الأنواع محصورة العدد لا زيادة فيها لإدخاله تعالى الكلية فيها والكلية لا تدخل إلا في ذي نهاية (٣) ، إلا أننا لا نحيط بأعدادها نحن، فلسنا نحصي أنواع الطير، ولا أنواع الحيوان المائي والبري وسائر الحشرات، وإنما يعلم عددها باريها عز وجل، إلا أنه متناه محصور كما قدمنا. وبرهان ذلك أن ما لا نهاية له فلا يجوز أن يكون شيء أكثر منه، والأشخاص الواقعة تحت الأنواع أكثر من الأنواع، فلما كان ذلك وجب أن الأنواع ليست مما لا نهاية له، وإذا كان ذلك وجب أنها متناهية ضرورة، ولما كانت أنواع الأنواع لا نحيط نحن بها أوجب ذلك علينا أن نتوصل إليها بالأنواع التي تكون أجناساً لنصل إلى علم اتفاقها واختلافها ولذلك لم ننحدر من الأجناس الأول إلى الأنواع المحضة؛ وأما الأشخاص فليست محصورة لا عندنا ولا في الطبيعة، لأننا نجد بالحس الضروري أن أشخاص الناس إذا كان طاعون أو قتل ذريع في يوم معركة، أنها قد قلت جداً عما كانت عليه بالأمس، ثم إذا أتصل النماء والذرء وتهدنت البلاد، كاد المعمور يضيق بأهله لكثرتهم، فهم أبداً (٤) يزيدون وينقصون. والأنواع ليست كذلك. لكنها لا [١٤و] تزيد ولا تنقص أبداً إلا أن يشاء الخالق إفناء ما شاء منها يوم البعث في عالم الجزاء فهو القادر


(١) الحديث في الجامع الصغير ٢: ١٣٢.
(٢) بهامش س عند قوله " لا مزيد في الأنواع " لا يخفى ما فيه لقوله: " ويخلق ما لا تعلمون " ثم أورد المعلق حكاية رواها أبو نعيم في الحلية عن امرأة مزدوجة الخلقة.
(٣) وكذلك.. نهاية: سقط من م.
(٤) م: دأباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>