للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عجيناً واحداً، وما أشبه ذلك. وكذلك القول في التقاء الخطين، وكل ذلك إنما هو بضم جرم إلى جرم، وكذلك مكان كان فيه زيد، ومكان كان فيه عمرو إلى جانبه، فقاما عنه، فصار المكانان مكاناً واحداً، فهذا هو الفصل المشترك بين الجرمين الذي هو آخر للأول وأول للثاني، وليس جزءاً لهما ولا لواحد منهما وإنما هو نهاية ارتفعت للأجتماع الحادث. وكذلك الفصل المشترك للزمان، فهو قولك الآن، فإن الآن نهاية للماضي (١) وابتداء للمستقبل، فإذا أتى (٢) المستقبل، صار الذي كان الآن ماضياً، مع الماضي قبله، فاتحدا أي صارا زماناً واحداً ماضياً، وقولك " الآن " هو حال لا ماضياً ولا مستقبلاً، فهذا هو الذي قلنا فيه إنه متصل لأنه يتصل الشيئان منه فيصيران شيئاً واحداً.

وأما قولنا في العددً والقول: إنهما منفصلان وإن لهما ترتيباً وليس لهما فصل مشترك، فهو أن الحروف التي ذكرنا آنفاً وهي حروف الهجاء فإنه لا يجوز أن تجتمع الباء مع التاء فيصيران معاً باء واحدة أو تاء واحدة أو حرفاً واحداً، وكذلك الباء مع الباء والتاء مع التاء وكل حرف مع مثله أو مع خلافه كذلك ولا فرق، بخلاف ما ذكرنا قبل من تصير المكانين مكاناً واحداً والزمانين زماناً واحداً والجرمين جرماً واحداً والسطحين سطحاً واحداً والخطين خطاً واحداً. لكن لهذه الحروف ترتيب في ضم بعضها إلى بعض، يقوم من ذلك الترتيب فهم المعاني في الكلام؛ وكذلك النغم، لا يجوز أن تصير النغمتان نغمة واحدة ولا المعنيان معنى واحداً، لكن لكل ذلك ترتيب معلوم، فلهذا سمي القول منفصلاً، وقيل فيه (٣) : إنه ليس له فصل مشترك. وكذلك العدد فإنه لا يجوز أن تضم ثلاثة قد انتهت إلى ثلاثة تبتدئها فتصير الثلاثتان ثلاثة واحدة. وهكذا كل عدد إلا أن يضم بعض الأعداد إلى بعض ترتيباً ونظماً معلوماً تعرف به نسبة بعضها من بعض وحدوث أعداد من جمع بعضها إلى بعض، فهذا غاية البيان في هذا الباب، ولم نترك فيه شيئاً من اللبس بحول الله تعالى وقوته الواردة علينا الموهوبة من قبله عز وجل، وله الحمد والشكر، لا إله إلا هو.


(١) م: لما مضى.
(٢) م: مضى.
(٣) فيه: سقطت من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>