للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الأوائل أيضاً قسماً آخر لأنواع الكمية التي ذكرنا وهي أنها (١) تنقسم قسمين: أحدهما: لذي [٢٢و] وضع (٢) والآخر لغير ذي وضع. تفسير ذلك أن قوله: " ذو وضع " عبارة عما ثبتت أجزاؤه، وقوله " ما ليس ذا وضع " إنما هي عبارة عما لا تثبت أجزاؤه.

فالذي تثبت أجزاؤه هو الجرم والسطح والخط والمكان، لأن أجزاء كل واحد من هذه ثابتة مع مرور العدد عليها، فإنك كلما ذرعت المكان أو الجرم كان ما ذرعت منها باقياً ثابتاً مع ما يستأنف ذرعه من باقيه. والخط والسطح معدود الذرع مع عدك ذرع الجرم الحامل لهما.

وأما الذي هو غير ذي وضع فهو الزمان والعدد والقول، فإنك إذا قلت أمس أو عددت ساعات يومك وجدت كل ما تعد من ذلك فانياً ماضياً غير ثابت ولا باق، وهكذا ينقضي الأول فالأول من الزمان، وكل ما تقضى منه فهو فإن معدوم، بخلاف ما ذكرنا، قبل، من بقاء أجزاء الجرم. ونجد (٣) أجزاء الزمان التي لم تأت بعد، معدومة، بخلاف جميع أجزاء الجرم، وما طواه العدد معه من سطوحه وخطوطه. وما أنت فيه من الزمان فلا يثبت ثباتاً تقدر على إقراره وإمساكه أصلاً بوجه من الوجوه، لكنه يثبت ثم ينقضي بلا مهلة، وهكذا أبداً. وكذلك أجزاء القول، إذا تكلمت، من حروفه ونغمه ومعانيه، فإن كل ما تكلمت به من ذلك (٤) فقد فني وعدم، وما لم تتكلم به من ذلك فمعدوم لم يحدث بعد، والذي أنت فيه من كل ذلك فلا (٥) قدرة لك على إثباته ولا إمساكه ولا إقراره أصلاً، بوجه من الوجوه، لكن (٦) ينقضي أولاً فأولاً بلا مهلة، فسبحان مخترع العالم ومدبره.

وأما من ظن أن الكيفيات قد تدخل تحت الكمية أيضاً وذلك لأنه سمع الناس


(١) س: أيضاً.
(٢) س: للذي هو وضع.
(٣) م: وكذلك تجد.
(٤) م: من كل ذلك.
(٥) س: لا.
(٦) م: لكنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>