للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون: بياض كثير وبياض قليل، فذلك ظن فاسد لأنه إنما يعني بذلك سعة سطح الجرم الحامل للون أو ضيقه وقلة ذرعه، وإنما (١) الكمية هاهنا لمساحة الجرم الحامل كما قدمنا قبل، وكذلك أيضاً من قال: عمل كثير أو طويل، فإنما ذلك لكثرة الزمان وطوله. وليس للكمية ضد البتة: ليس للذراع ضد، ولا للشبر ضد، وكذلك سائر مقادير الكمية. وكذلك من ظن أن الكثير ضد للقليل، والكبير ضد للصغير فظنه فاسد، وإنما ذلك من باب الإضافة، إذ ليس في العالم شيء كبير بذاته، ولا صغير بذاته، وإنما الكبير كبير بالإضافة إلى ما هو أصغر منه، والصغير صغير بالإضافة إلى ما هو أكبر منه. ألا ترى أن حبة الخردل (٢) كبيرة بالإضافة إلى الصؤابة وإلى طحن الخردلة، وكذلك الأرض صغيرة بالإضافة إلى الفلك، ولا جزء وإن دق إلا ومتوهم [٢٢ظ] أدق منه. وكذلك الفلك الأعلى الذي لا شيء بالفعل أكبر منه، فالمتوهم (٣) في قوة الخالق تعالى الزيادة فيه، وإحداث ما هو أعظم منه. وقد نقول: جبل صغير، وخردلة كبيرة بالإضافة إلى جبل أكبر منه، وبالإضافة إلى خردلة أخرى أصغر منها، فلو كان الصغير ضداً للكبير لكان الشيء ضداً لنفسه لأنه كبير من جهة صغير من أخرى، وهذا محال. وهكذا القول في القليل والكثير، ولا فرق، فإن المائة قليل بالإضافة إلى الألف، وكثير بالإضافة إلى العشرة، وهكذا كل عدد فمتوهم الزيادة عليه (٤) أبداً. إلا أن كل ما خرج منه إلى الفعل فمتناه أبداً. ولو كان عشرة في مدينة لكان ذلك عدداً قليلاً جداً، فلو كانوا مع رجل وامرأة (٥) في بيت لكانوا عدداً كثيراً جداً، وكذلك لو كانوا بنيه.

واعلم أن الكثير والقليل والطويل والقصير والكبير والصغير والعظيم والحقير والجليل والدقيق والضخم والضئيل والغليظ والرقيق والجسيم (٦) واليسير والتافه والنزر كل


(١) م: فإنما.
(٢) م: الخردلة.
(٣) م: فمتوهم.
(٤) تكررت لفظة " الزيادة " بعد " عليه " في م.
(٥) م: وامرأته.
(٦) م: والضخم والغليظ والضئيل ... والجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>