للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحدوث وفي التأليف. وأما الباري عز وجل فخلاف لخلقه كله من كل وجه لا تماثل بينه تعالى وبين جميع خلقه، ولا بينه تعالى وبين شيء من خلقه بوجه من وجوه البتة. واللفظ الأول وهو التغاير يقع في كل مسميين. وهذان القسمان يقعان في الجواهر والأعراض، وهذا القسم الثاني، أعني المخالفة يقع بين كل موجودين وسواء كانا تحت نوعين مختلفين أو تحت جنسين مختلفين أو كان أحدهما مما يقع تحت الأجناس والآخر مما لا يقع تحت الأجناس، ولا بد في كل موجودين ضرورة من أن يكونا مختلفين أو متماثلين؛ ثم قسمان باقيان لا يقعان إلا في الكيفيات، أحدهما: أغيار أضداد كالسواد والبياض (١) والثاني أغيار متنافية كالحياة والموت والسكون والحركة وما أشبه ذلك. والأضداد هي كل لفظتين (٢) اقتسم معنياهما طرفي البعد، وكانا واقعين تحت مقولة واحدة [٣١ظ] وكان بينهما وسائط؛ فإما تحت نوعين مختلفين تحت جنس واحد كالسواد (٣) والبياض اللذين هما نوعان واقعان تحت جنسين مختلفين، وهما الفضيلة والرذيلة، وإما كالفضيلة والرذيلة اللذين هما جنسان جامعان لما ذكرنا وتجمعهما الكيفية؛ وكل ضدين فإنهما يدركان بحاسة واحدة أبداً لا يجوز غير ذلك، إما أن يدركا معاً بالعقل وإما معاً بالبصر وما أشبه ذلك من لمس وذوق وشم، فتأمل هذا بعقلك تجده يقيناً. وكل ضدين فإن أحدهما إن كان في النفس فإن الثاني فيها أيضاً وإن كان أحدهما في الجرم فإن الثاني فيه أيضاً (٤) ، لا يجوز إلا هذا، لأن الأضداد أيضاً تتعاقب على حاملها كالبياض والسواد (٥) اللذين في الجسم، والحلم والطيش اللذين في النفس، وكذلك سائر أخلاق النفس من العلم والجهل والعدل والجور والورع والفسق والرضا والغضب (٦) وسائر أخلاقها. وكذلك سائر الأضداد المتعاقبة على الجرم


(١) كالسواد والبياض: كالحلاوة والمرارة في م.
(٢) م: هي لفظين.
(٣) م: كالحضرة.
(٤) وإن كان ... أيضاً: سقط من م.
(٥) م: والخضرة.
(٦) اضطرب ترتيب هذه الأخلاق في س.

<<  <  ج: ص:  >  >>