للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالحمرة والصفرة والخضرة (١) التي بين السواد (٢) والبياض وكحال الاعتدال الذي (٣) بين الجود والشح على ما نبين في كتابنا في أخلاق النفس (٤) إن شاء الله عز وجل. والمنافيان هما اللذان ليس بينهما وسائط، فإن الحياة والموت فيما يكونان فيه ليس بينهما وسيط لا يكون حياة ولا موتاً؛ وكذلك صحة العضو ومرضه لا يجوز أن يكون العضو صحيحاً مريضاً، ولا لا صحيحاً ولا مريضاً. والصحة هي تصرف العضو في فعله الطبيعي، والمرض هو ضعفه عن ذلك. وكذلك الجور والعدل في الحكم (٥) : لا يجوز أن يكون حكم لا عدلاً ولا جوراً ولا عدلاً جوراً. ولما كان هذان الأمران أعني التضاد والمنافاة معنيين مختلفين احتجنا في العبارة عنهما إلى اسمين متغايرين لئلا يقع الإشكال (٦) ؛ وقد حد قوم الضد بأنه الذي إذا وقع ارتفع الآخر، وهذا خطأ، لأن هذا قول يوجب أن يكون الاتكاء ضد القعود والخضرة ضد الحمرة وهذا خطأ، وإنما هذا من الخلاف والتغاير لا من التضاد، وحد الضد على الحقيقة هو ما عبرنا به آنفاً. وأما حال الجسم التي تنفي الضدين معاً من بعض الأضداد وبعض المتنافيين فلا يعرف لها (٧) اسم في الأكثر من مواضعها، كحال نفس الطفل فإنه لا يسمى براً ولا فاجراً ولا عالماً ولا جاهلاً بل كل حال من هذه الأحوال منفية عنه بلفظة " لا " فنقول: الطفل لا يعلم شيئاً ولا يطلق عليه اسم الجهل إلا مع إمكان العلم، ويقال الطفل ليس براً ولا فاجراً فإذا قوي واحتمل الأمرين وقع عليه أحدهما على حسب ما يبدو منه، وكالحجر لا يقال عنه حي ولا ميت لكن ننفي عنه كلا الأمرين بلفظة " لا "، أو " ليس " أو " ما " فنقول: الحجر ليس حياً ولا ميتاً. وقد يستحيل حامل كل واحد من المتنافيين أو الضدين أو الخلافين إلى حمل القسم الآخر فيكون


(١) والخضرة: سقطت من م.
(٢) م: الخضرة.
(٣) م: التي.
(٤) هي رسالته التي تحمل عنوان: " رسالة في مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذائل، وقد طبعت عدة مرات (انظر الجزء الأول من رسائل ابن حزم/ ١٩٨٠ص: ٣٢٣) وقد عالج ابن حزم في باب الأخلاق منها بعض الفضائل ومركباتها (ص ٣٧٩ وما بعدها) .
(٥) س: في العدل والحكم.
(٦) م: اشكال.
(٧) لها: سقطت من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>