للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقابل هو كون شيئين في طرفين معينين يقتضي أحدهما وجود الآخر على الرتب التي ذكرنا، فكأنه يقابل أحدهما الآخر. وأما مقابلة القنية والعدم فذلك كالبصر وعدمه الذي هو العمى، فإن أحد هذين يدور على الآخر ولا يدور الآخر عليه، ومعنى الدوران هو الإضافة فنقول عمى البصر ولا نقول بصر العمى.

واعلم أن القنية هي التي لا تدور على العدم أي لا تضاف إليه والعدم يدور على القنية أي يضاف إليها (١) . والعدم ليس معنى لكنه ذهاب الشيء وبطلانه ولا يعد عادماً إلا من يحتمل وجود ما هو عادم له، ألا ترى أن الحجر لا يسمى عادماً وكان هذا عندنا معنى [٣٣و] اتبعت فيه اللغة اليونانية، وأما اللغة العربية فكل حال لم يكن فيها شيء ما فإنه يطلق فيها اسم عدم ذلك الشيء، وسواء كان موجوداً قبل ذلك أو لم يكن. وكذلك يسمى فيها أيضاً بالعدم كل ما لم يكن، وسواء توهم كونه أو لم يتوهم؛ إلا أن الفرق بين الضدين وبين العدم والوجود أن كلا (٢) الضدين لهما إنية ومعنى ذلك أنهما موجودان، والموجود له إنية أي أنه موجود، والعدم لا إنية له أي لا وجود له.

واعلم أن السلب والإيجاب إنما يقعان في الاخبار وبذلك يكون الصدق والكذب، وذكر الفلاسفة ها هنا شيئاً سموه " كون الشيء في الشيء " وليس يكاد ينحصر عندنا وإن كان محصوراً في الطبيعة، فلم نر وجهاً للاشتغال به إذ ليس إلا من تشقيق الكلام فقط كقولهم: النوع في الجنس والجنس في النوع وما أشبه ذلك مما لا قوة فيه في إدراك الحقائق وإقامة البراهين وكيفية الاستدلال الذي هو غرضنا في هذا الكتاب. وكذلك ذكروا أيضاً شيئاً وسموه " يكون الشيء مع الشيء " ورتبوه على ثلاثة أقسام: أحدها كون الشيء مع الشيء في زمن واحد، وهو المعهود في استعمال اللغة إذ كل شيئين كانا في زمان واحد فهما معاً أي كل واحد منهما مع الآخر، ورتبوا في ذلك أيضاً كون المضافين أحدهما مع الآخر أي أن (٣) مع النصف ضعفاً ومع الضعف


(١) س: عليها.
(٢) س: كل.
(٣) أن: سقطت من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>