للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نقول: إن الحس والعقل قد ثبت فيهما أن بين مشي القاعد الصحيح الجوارح والجسم الغير ممنوع وبين مشي المقعد المبطل الساقين فرقاً، وهذا فرق بين الممكن والممتنع. وكذلك فيهما أن بين قعود الصحيح الذي ذكرنا الذي إذا شاء تركه تركه، وبين قعود المقعد الذي لو رام جهده تركه لم يقدر، فرقاً واضحاً، وهذا فرق بين الممكن والواجب. والواجب أن نلزم (١) من قال بخلاف قولنا أن لا يتأهب للجوع إذا أصابه بأكل الطعام لأنه إن كان انتهى أجله فواجب أن يموت، وإن كان لم ينته أجله فممتنع أن يموت، وينبغي له (٢) أن يقتحم النيران إذ إن كان (٣) في المغيب أنه لا يحترق فممتنع أن يحترق، فيلزم مخالفنا أن تأهبه وفكرته وسعيه فيما يدفع به عن نفسه البرد والعطش والأذى كتأهبه وفكرته لدفع حركة الفلك أو لمنع الشمس من الطلوع، ونحن إنما نناظر الناس حتى نردهم إلى موجب العقل أو الحس أو نلزمهم أن يخرجوا عن رتب العقل وإلى مكابرة الحس، فإذا خرجوا إلى ما ذكرنا فقد كفونا التعب معهم، ولزمنا الإعراض عنهم وتركهم يتمنون الأضاليل ويفرحون بالأباطيل كالسكارى والصبيان المغرورين بأحوالهم، المسرورين بأفعالهم، ونشتغل بما يلزمنا من تبيين الحقائق لطلابها، فإنما نتكلم مع النفوس العاقلة المميزة، لا مع الألسنة فقط، ولا مع النفوس السخيفة.

٥ - باب الكلام في الإيجاب والسلب وهو النفي ومراتبه ووجوهه

النفي المفيد معنى والذي تنفي به ما أوجب خصمك إنما حكمه أن يكون للمحمول لا [٣٩ظ] للموضوع لأنك تثبت الاسم ثم توجب له صفة أو تنفيها عنه. ولو نفيت الموضوع وهو الاسم المخبر عنه لكنت لم تحصل معنى تخبر عنه كقولك: لا زيد منطلق، لأن ظاهر هذا اللفظ نفي زيد ونفي الانطلاق معه. والأوائل يسمون مثل هذا " قضية غير محصلة "، وإنما الصواب أن تقول: زيد غير منطلق، أو ليس منطلقاً، فتكون قد أثبت زيداً ونفيت عنه الانطلاق. والأوائل يسمون هذه " قضية مسلوبة " و " متغيرة في المحمول " لأنك غيرتها عن الإيجاب، فتحفظ في هذا المكان، فأقل


(١) سقطت عبارة: والواجب أن في م، وجاء مباشرة " ويلزم ... ".
(٢) له: سقطت من س.
(٣) س: إذا كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>