للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون موجباً لسائر أنفس الناس غير (١) ما أخبر به عن نفس زيد، وهذا ما لا يظنه ذو عقل؛ ولو كان هذا لكانت القضايا المخصوصة كلها كواذب، أي أن كل خبر عن شخص بعينه كان يكون كاذباً، إذ ينطوي فيه عندهم أن سائر نوعه بخلاف ذلك، فلما كان هذا مكابرة للحس صح ما قلنا أولاً من أن المخبر بأن بعض الناس ليس حماراً صادق، ولم يكن النفي لما هو منفي أولى بالصدق فيه من الإيجاب لما هو موجب، ولم يلزمه أن يظن به أنه أوجب الحمارية لسائر من سكت عنه من باقي النوع، لكن سائر النوع موقوف على ما هو عليه أي له من الحكم ما قد وجب بعد له بغير هذه القضية التي قضيت على بعضه، وهذا الذي غلط فيه كثير ممن تكلم في علوم الشريعة وسموه " بدليل الخطاب " وقضوا به القضايا الفاسدة؛ وكذلك من أخبر بممكن فقال: بعض الناس كاتب أو ليس زيد كاتباً فليس فيه أن سائر الناس لا كتاب ولا أن من عدا زيداً كاتب، ولا يوجب قوله ما ذكرنا شيئاً مما سكت عنه أصلاً، وإنما يؤخذ حكم سائرهم من دلائل أخر وقضايا غير هذه، ولو كان ما ظنه هؤلاء المغفلون لوجب ضرورة أن قول [٤٣و] القائل: ليس زيد كاتباً (٢) كذب، إذ ذلك يوجب على حكم هؤلاء أن جميع الناس حاشاه كتاب. فلما كان كلا الأمرين باطلاً بطل الحكم لجميع ما ذكروه (٣) ، ولما صدق القائل: ليس زيد كاتباً، والقائل: عمرو كاتب، والقائل: خالد حي، والقائل: ليس عبد الله حجراً، ولم يوجب كل ذلك حكماً على غير من ذكر لا بموافقة ولا بمخالفة، صح ما قلناه من أن القضية إنما تعطيك مفهومها خاصة وإن ما عداها موقوف على دليله، وبطل أيضاً قول من قال: إن ما عداها داخل في حكمها، وبالله تعالى التوفيق.

ولا يظن ظان أن هذا نقض لما قلنا في كتبنا في أحكام الدين إن الحكم الذي حكم به الواحد الأول تعالى على لسان الذي ابتعثه رسولاً إلينا في شخص من نوع أنه لازم لجميع النوع إلا أن يبين أنه خص به ذلك الشخص، وقلنا أيضاً إنه غير لازم


(١) س: على.
(٢) س: زيد كاتب.
(٣) م: لكل ما ذكروا.

<<  <  ج: ص:  >  >>