للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أني كنت معتقلا في يد (١) الملقب بالمستكفي (٢) وهو محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر (٣) في مطبق (٤) وكنت لا آمن قتلته لأنه كان سلطانا جائرا ظالما عاديا قليل الدين كثير الجهل غير مأمون ولا متثبت، وكان ذنبنا عنده صحبتنا للمستظهر (٥) رضي الله عنه، وكان العيارون (٦) قد انتزوا (٧) بهذا الخاسر على المستظهر فقتله، واستولى على الأمر واعتقلنا حيث ذكرنا. وكنت مفكرا في مسألة عويصة من كليات الجمل التي تقع تحتها معان عظيمة كثر فيها الشغب قديما وحديثا في أحكام الديانة، وهي متصرفة الفروع في جميع أبواب الفقه، فطالت فكرتي فيها أياما وليالي إلى أن لاح لي وجه البيان فيها وصح لي وحق لي الحق يقينا في حكمها وانبلج، وأنا في الحال الذي وصفت (٨) فبالله الذي لا إله إلا هو الخالق الأول (٩) مدبر الأمور كلها أقسم، الذي لا يجوز القسم بسواه، لقد كان سروري يومئذ وأنا في تلك الحال بظفري بالحق فيما كنت مشغول البال به وإشراق الصواب لي أشد من سروري بإطلاقي (١٠) مما كنت فيه، وما ألفنا كتابنا هذا وكثيرا من كتبنا إلا ونحن مغربون مبعدون عن الوطن والأهل والولد، مخافون مع ذلك في أنفسنا ظلما وعدوانا،


(١) م: يدي.
(٢) وهو: في م وحدها.
(٣) تعرض ابن حزم لذكر المستكفي في كثير من مؤلفاته، ووصفه بأنه كان في نهاية الضعة والسقوط والضعف والتأخر؛ وأن أتباعه من السفلة هم الذين قاموا على المستظهر عبد الرحمن، وقارن بين المستكفي المرواني والمستكفي العباسي (انظر الجمهرة: ١٠١ ونقط العروس في الجزء الثاني من الرسائل: ٤٧، ٢٠٢) .
(٤) م: مطبق ضيق.
(٥) بويع المستظهر وهو عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار في رمضان سنة ٤١٤هـ فاستوزر ابن حزم وابن شهيد، ثم ثار عليه محمد بن عبد الرحمن الناصري فس شهر ذي القعدة من العام نفسه وقتله وبويع بالخلافة وتلقب بالمستكفي، وقد سجن ابن حزم وابن عمه أبا المغيرة، وأقام في الخلافة ستة عشر شهراً عاد بعدها أمر قرطبة إلى بني حمود وفر المستكفي إلى ناحية الثغر ومات في مقره.
(٦) س: العبادون.
(٧) س: ابتزوا.
(٨) م: التي وصفنا.
(٩) م: الواحد الأول الخالق.
(١٠) م: بانطلاقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>