ذهبوا، فإن كان قد بقي منهم في الدنيا واحد أو اثنان فعلمه مخزون في صدورهم مقصور على أنفسهم أو على خاصة يسلك بهم مثل سبيله في طيه عن أهل زمانه، إذ لا يرى مستحقا ولا أمينا ولا لقنا ولا صديقا ولا مريدا صادقا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
٥٩ - قال الموحد: من المسائل التي هي محالية السؤال، فلا أجوبة لها بالمقابلة (١) لأنك إن قابلت المحال كنت محيلا: لو سأل سائل عن الله عز وجل بإيقاع صفة التمام والكمال مثل ما هو تام كامل، قيل له: أتسأل بصفة المخلوق عن الخالق، تعالى الله عن هذه الصفة كما تعالى عن ضدها، هو فوق ما يأخذه التمام والنقص، عال علوا كبيرا، وهذا المحال من السؤال موجود مثاله في المخلوقات وجودا قريبا ظاهرا، لو قال قائل: الأمير حاجب أو وزير قيل له: منزلته فوق منزلة الحاجب والوزير. فلو قال القائل: اللؤلؤ أخضر هو أو أحمر قيل له: لا ذا ولا ذا. ومثل هذا يرد كثيرا في مواضع مشبهة لا يظهر محالها إلا بالكشف. وكذلك لو سأل سائل، وهي أغمض من التي قبلها: هل يحيط علم الله بذاته أم لا يحيط قيل له: لا تسل عما لا يتناهى بصفة الإحاطة فليس لك جواب، أرأيت لو قلت: أيحيط المحيط بما لا يحاط به ألم يكن محالا كما لو قلت: هل لما لا حد له حد، وهل لما لا نهاية له نهاية، وهل يخلوا الذهب أن يكون أسود أو أخضر قلنا: لا يقع عليه واحدة من هاتين الحالتين، فكذلك بمن سأل عن متقابلين في المخلوقات ليس واحد منهما فيه، نفيا جميعا. ومن سأل عن الخالق تعالى عز وجل بما يقع على المخلوقات من الصفة، ومن جهة الضد والند، ومن جهة الكم والكيف، كل هذا لا يجاب فيه حتى يسأل غير سؤال المخلوق، كما لا يشبه خلقه في صفة من صفاته، كذلك لا يمكن أن يسأل عنه بصفة من صفات خلقه، فافهم ولا يستخفنك الذين لا يوقنون {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}(سورة البقرة: ٤٢) ، الذين قالوا بالكمون جهلوا المكان والمتمكن، فحسبوا أن المتمكن يكون في المتمكن ولا يكون المتمكن إلا في مكان، والمكان لا يأخذ منه الجسم إلا قدره وحده، فلا يمكن أن يكون جسم آخر معه في مكان لا فضل فيه، والمكان [١٠٢و] الهواء والأجسام المتمكنات فيه، فبؤسا