الانفصال. فانفرد الله تعالى بالوحدانية وحده، وجعل الأشياء كلها زوجين بعده، والعلم هو معرفة العلل، ومعرفة العلل هي معرفة الحدود، والحدود زوجان: حد إحاطة وحد مقاربة، والشبهة زوجان: أحدهما يقع في حد الإحاطة بأن يشابه أعيان الشيئين، كاشتباه الشبه بالذهب والقزدير بالفضة ونحو ذلك. والثاني في حد المقاربة حيث تقع الشبهة بين المنفصلين، كحد ما بين الجبل والسهل والحلو والمر والقوة والوهن.
فالأزواج والأضداد الجارية في كل موضوع ومخلوق من أمور الدنيا والدين هي علة الاختلاف الكبرى التي من جهتها وجب النظر، ووقعت كلفة التدبر والتثبت والاشتباه. وكل خطأ وقع في بني آدم فمن هذه الجهة يقع، ومن هذا الأصل ينبعث.
٨٠ - وأمثلة العلم أمثلة باطنة مفصولة من الذكر الباطن في الذكر المفصول للإنسان في الباطن، فهي لا ترى إلا بالبصر الباطن، وهو العقل، فتمييز الناظر فيها على قدر حدة بصره، وقوة نور باطن عقله، كما يتميز الناظر في دقائق الأشخاص بحسب قوة بصر عينه وحدة حاسة حدقته ونوره، وقوة البصر الباطن ونوره بحسب بعده من الشهوات التي هي تكدره وتطمس عليه وتحجبه عن الاتصال بمادته، ومادته علم الله الأعلى الذي يمد به من يشاء، فافهم. ومن ارتفع بنظره إلى العلل العليا فأصاب وجه ما طلب، جرى صوابه في كل ما تحت ذلك من العلل، فعظم صوابه. ومن أخطأ في تلك المنزلة العليا، جرى خطأه فيما تحت ذلك فعظم خطأه. ومن أخطأ فيما دون ذلك، فخطأه بقدر درجته من النظر، فافهم.
٨١ - تكلمت النصارى في الله فأخطأت الوحدانية فكفروا، وتكلمت اليهود في النبوة فأخطأوا فيها فكفروا، لأن الكلام في النبوة هو من الكلام في الصفات العلى. وتكلم الفقهاء في فروع الأحكام، فلم يكن خطأهم كفرا، لبعد الكلام من الأصل. وتكلمت الفرق المبتدعة في الأصول العليا بعد أن اعتصموا بالإقرار بالوحدانية والنبوة، فمنعهم أن يكون كلامهم كفرا اعتصامهم بجملة الإقرار، وارتفعوا (١) في القدر عن