الخطأ في فروع الأحكام، ولم يبلغ بهم الخروجعن حد الإسلام [١٠٦و] لاعتصامهم بعقدة الإقرار، وكان خطأهم كأنه خطأ تأويل، وهو بين الحدين في موقف الشبهة لأنه يقول: أنا مؤمن بما جاء به النبي على ما جاء به، لا أنكر شيئا منه، ولا أخرج نفسي عنه. ثم يتأول فيخرج عنه، وهو يرى أنه يوافقه، وكأنه إنما يطلب موضع الحق منه، فهو خارج من جهة النظر، معتصم من جهة النية والإقرار، فبيان الحكم فيهم غيب، ولله عليهم حجة إن عذب، ولهم وسيلة إلى العفو إن عفا، ونستعصم الله من الخطأ والزيغ في رفيع الأمور وقريبها برحمته.
٨٢ - جملة المختلفين من أمتنا: المرجئة والخوارج والجهمية، من هذه الثلاث طوائف انفصلت الفرق بأجمعها، وأعظم فرقة انفصلت منها حتى صارت كأنها رابعة معها فرقة الشيعة، ولكنها منفصلة من الخوارج، ثم تليها فرقة القدرية الذين جملتهم المعتزلة، وهي منفصلة من الجهمية، وانفصلت المرجئة على كل فرقة فرقة منها، لم يغلب عليها اسم يمحو عنها اسمها الأعظم، كلهم يسمون مرجئة.
فأما المرجئة والخوارج فإنهم يختلفون أن الإيمان روحاني كشيء له طرفان، ابتداء وغاية، ونشوء وكمال، وأنه في ذاته درجات منفصلات ومراتب متفاوتات. فقالت المرجئة: الإيمان هو الإقرار بالله تعالى، فكل من أقر بالله فهو مؤمن في الجنة، فحكموا في الإيمان بأحد طرفيه، وهو أوله ومدخله، فضاهوا اليهود. وقالت الخوارج بالطرف الآخر فقالت: المؤمن من لا ذنب له بتة، وما دون ذلك فكافر في النار فحكموا في الإيمان بأحد الطرفين، وهو طرف الكمال وأعلاه وغايته، وتركوا الحق وسطا، ومشت الطائفتان من جانبيه تعسفا، وركبت الجماعة الوسط، فأصابوا الجادة ولزموا القصد وأم الطريق، والحمد لله.
وأما الجهنمية فإنهم تكلموا فيما لم يبح الكلام فيه للعامة، وأرادوا أن يكيفوا علم الله تعالى، فضاهوا النصارى. ونحن لا نتمكن من صفة العلة التي من جهتها أخطأت الجهمية، لأنه من الكلام في الصفات العلي التي لم يبح لنا نبينا صلى الله عليه وسلم الكلام فيها ولا يتجاوزها علم القلوب، ولكنا نقصد من ذلك إلى ما نرى أنه يجوز لنا الكلام فيه، فمن لقنه انتفع به، ومن لم يلقنه فقد قدمنا إليه العذر المانع من التفصيل