للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا اعلم عنده، وكثر غمها به (١) وطال أسفها إلى أن ضنيت بحيه، وهو بغرارة الصبا لا يشعر؛ ويمنعها من إبداء أمرها إليه الحياء منه لأنها كانت بكراً بخاتمها، مع الإجلال له عن الهجوم عليه بما لا تدري لعله لا يوافقه، فلما تمادى الأمر - وكانا إلفين (٢) في النشأة - شكت ذلك إلى امراة جزلة الرأي كانت تثق بها لتوليها تربيتها، فقالت لها: عرضي له بالشعر، ففعلت المرة بعد المرة وهو لا يأبه في كل هذا. ولقد كان لقناً ذكياً ولكنه لم يظن ذلك فيميل إلى تفتيش الكلام بوهمه، إلى ان عيل صبرها وضاق صدرها ولم تمسك نفسها في قعدة كانت لها معه في بعض الليالي منفردين، ولقد كان - يعلم الله - عفيفاً متصاوناً بعيداً عن المعاصي، فلما حان قيامها عنه بدرت إليه فقبلته في فمه ثم ولت في ذلك الحين ولم تكلمه بكلمة، وهي تتهادى في مشيها، كما أقول في أبيات لي: [من البسيط] .

كأنها حين تخطو في تأودها ... قضيب نرجسة في الروض مياس

كأنما (٣) خطوها في قلب عاشقها ... ففيه من وقعها خطر ووسواس

كأنما مشيها مشي الحمامة لا ... كد يعاب ولا بطء به باس فبهت وسقط في يده وفت في عضده ووجد في كبده وعلته وجمة، فما هو إلا أن غابت عن عينه ووقع في شرك الردى، واشتعلت في قلبه النار، وتصعدت أنفاسه، وتردفت أوجاله، وكثر قلقه، وطال أرقه، فما غمض تلك الليلة عيناً، وكان هذا بدء الحب بينهما دهراً، إلى أن جذت جملتها (٤) يد النوى؛ وإن هذا لمن مصايد إبليس ودواعي الهوى التي لا يقف لها أحد إلا من عصمه الله عز وجل.


(١) به: عند برشيه وحده.
(٢) برشيه: اليقين (والترجمة شاهد على أن لا تصحيف) .
(٣) جميع الطبعات: خلدها.
(٤) برشيه: جملتهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>