للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الناس من يقول: إن دوام الوصل يودي بالحب، وهذا هجين من القول، إنما ذلك لأهل الملل، بل كلما زاد وصلاً زاد اتصالاً.

وعني أخبرك أني ما رويت قط من ماء الوصل ولا زادني إلا ظلماً، وهذا حكم من تداوى بدائه وإن رفه عنه شيئاً ما (١) . ولقد بلغت من التمكن بمن أحب أبعد الغايات التي لا يجد الإنسان وراءها مرمى فما وجدتني إلا مستزيداً، ولقد طال بي ذلك فما أحسست بسآمة ولا رهقتني فترة.

وقد ضمني مجلس مع بعض من كنت أحب فلم أجل خاطري في فن من فنون الوصل إلا وجدته مقصراً عن مرادي، وغير شاف وجدي ولا قاض أقل لبانة من لباناتي، ووجدتني كلما ازددت دنواً ازددت ولوعاً، وقدحت زناد الشوق نار الوجد بين ضلوعي، فقلت في ذلك المجلس: [من الطويل] .

وددت بان القلب شق بمدية ... وأدخلت فيه ثم أطبق في صدري

فأصبحت فيه لا تحلين غيره ... إلى مقتضى يوم القيامة والحشر

تعيسين فيه ما حييت فإن أمت ... سكنت شغاف القلب في ظلم القبر وما في الدنيا حالة تعدل محبين إذا عدما الرقباء وأمنا الوشاة، وسلما من البين ورغبا عن الهجر، وبعدا عن الملل وفقدا العذال، وتوافقا في الأخلاق، وتكافيا في المحبة، وأتاح الله لهما رزقاً داراً، وعيشاً قاراً، وزماناً هادياً، وكان اجتماعهما على ما يرضي الرب من الحلال (٢) ، وطالت صحبتهما واتصلت إلى وقت حلول الحمام الذي


(١) أثبت قراءة برشيه، وعند غيره: تداوى برأيه عنه سريعا.
(٢) في معظم الطبعات: من الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>