للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البصيرة في صحة عقده، فحينئذ يظهر المحبوب هجراناً ليرى صبر محبه، وذلك لئلا يصفو الدهر البتة، وليأسف المحب إن كان مفرط العشق عند ذلك لا لما حل، لكن مخافة أن يترقى إلى ما هو أجل فيكون ذلك الهجر سبباً إلى غيره، أو خوفاً من آفة حادث ملل.

ولقد عرض لي في الصبا هجر مع بعض من كنت آلف، على هذه الصفة، وهو لا يلبث أن يضمحل ثم يعود؛ فلما كثر ذلك قلت على سبيل المزاح شعراً بديهياً ختمت كل بيت منه بقسيم (١) من أول قصيدة طرفة بن العبد المعلقة، وهي التي قرأناها مشروحة على أبي سعيد الفتى الجعفري عن أبي بكر المقرئ عن أبي جعفر النحاس (٢) ، رحمهم الله، في المسجد الجامع بقرطبة، وهي: [من الطويل]

تذكرت وداً للحبيب كأنه ... " لخولة أطلال ببرقة ثهمد "

وعهدي بعهد كان لي منه ثابت ... " يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد "

وقفت به لا موقناً برجوعه ... " ولا آيساً أبكي وأبكي إلى الغد "

إلى أن أطال الناس عذلي وأكثروا ... " يقولون لا تهلك أسى وتجلد "


(١) في جميع الطبعات: يقسم.
(٢) هذا هو السند الذي نقلت به " المعلقات التسع " إلى الأندلسيين عن شارحها ابن النحاس؛ أخذها عنه أبو بكر محمد بن علي الأذفوي وعن الأذفوي أخذها أبو سعيد خلف مولى الحاجب جعفر، الفتى المقرئ المعروف بالجعفري؛ وهذا الفتى الجعفري سكن قرطبة، ثم رحل إلى المشرق فسمع بمكة، ولقي الأذفوي بمصر وأخذ عن علماء القيروان، وكان من أهل القرآن والعلم نبيلاً من أهل الفهم، مائلاً إلى الزهد والانقباض، خرج عن قرطبة في الفتنة وقصد طرطوشة وتوفي بها سنة ٤٢٥ وقيل ٤٢٩ (فهرسة ابن خير ٣٦٦ - ٣٦٩، وانظر ترجمته أيضاً في الصلة: ١٦٤) وأما أبو بكر الاذفوي (نسبة إلى أذفو - بالذال المعجمة، أو بالدال المهملة - بصعيد مصر) فقد كان نحوياً مفسراً مقرئاً ثقة، وكان يتجر بالخشب، وله كتاب التفسير في القرآن في مائة وعشرين مجلداً، وكانت وفاته بمصر سنة ٣٨٨ (غاية النهاية ٢: ١٩٨ وعبر الذهبي ٣: ٤١) قلت: وفي تسمية ابن خير لها " المعلقات التسع " تجوز لان ابن النحاس أنكر التعليق جملة وسماها القصائد التسع.

<<  <  ج: ص:  >  >>