للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحبوبه والأرض تقلهما، ومنهم من قنع باستوائهما في إحاطة الليل والنهار بهما، وأشباه هذا (١) ، وكل مبادر إلى احتواء الغاية في الاستقصاء، وإحراز قصب السبق في التدقيق، ولي في هذا المعنى قول لا يمكن لمتعقب أن يجد بعده متناولا، ولا وراءه مكاناً، مع تبيني علة قرب المسافة البعيدة، وهو: [من الطويل] .

قالوا بعيد قلت حسبي بأنه ... معي في زمان لا يطيق محيدا

تمر علي الشمس مثل مرورها ... به كل يوم يستنير جديدا

فمن ليس بيني في المسير وبينه ... سوى قطع يوم هل يكون بعيدا

وعلم إله الخلق يجمعنا معاً ... كفى ذا التداني ما أريد مزيدا فبينت كما ترى أني قانع بالاجتماع مع من احب في علم الله الذي السموات والأفلاك والعوالم كلها وجميع الموجودات (٢) بسبب منه ولا تجزؤ فيه ولا يشذ عنه شيء، ثم اقتصرت من علم الله تعالى على انه في زمان؛ وهذا اعلم مما قاله غيري في إحاطة الليل والنهار، وإن كان الظاهر واحداً في البادئ إلى السامع، لان كل المخلوقات واقعة


(١) من أمثال هذه القناعة قول أحدهم:
ويقر عيني وهي نازحة ما لا يقر بعين ذي الحلم
أني أرى وأظن أن سترى وضح النهار وعالي النجم
وقول الآخر:
أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بنا تداني
ترى وضح النهار كما أراه ويعلوها المساء كما علاني
وقول الثالث:
ألست أرى النجم الذي هو طالع عليها فهذا للمحبين نافع
عسى يلتقي في الأفق لحظي ولحظها فيجمعنا إذ ليس في الأرض جامع
ويعلق ابن داود على مثل هذا بقوله انه ناقص عن حد التمام (الزهرة ١٠٢، ١٠٣) وكأني بابن حزم قد قرأ هذه الجملة وتأملها، فما يحاول أن يأتي به في أبيانه التالية إنما هو نوع من بلوغ الغاية أو حد التمام.
(٢) العبارة عند الصيرفي: وجميع الموجودات لا تنفصل منه ولا تتجرأ فيه ولا يشذ عنه منها شيء، وهي بعيدة كثيراً عن الأصل؛ وتابعه في ذلك مكي؛ وعند بتروف: لا تنتسب منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>