للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرفيعين العلويين (١) ، ففي كل جسد منهما حظه على قدر مقابلته لهما في تقدير الواحد الصمد، تقدست أسماؤه، حين خلقه وهيأه؛ فهما يتقابلان أبداً ويتنازعان دأباً، فإذا غلب العقل النفس ارتدع الانسان وقمع عوارضه المدخولة واستضاء بنور الله وابتع العدل، وإذا غلبت النفس العقل عميت البصيرة، ولم يضح الفرق بين الحسن والقبيح، وعظم الالتباس وتردى في هوة الردى ومهواة الهلكة، وبهذا حسن الأمر والنهي، ووجب الامتثال (٢) ، وصح الثواب والعقاب، واستحق الجزاء. والروح واصل بين هاتين الطبيعتين، وموصل ما بينهما، ومحل (٣) الالتقاء بهما، وإن الوقوف عند حد الطاعة لمعدوم إلا بطول الرياضة وصحة المعرفة ونفاذ التمييز، ومع ذلك اجتناب التعرض للفتن ومداخلة الناس جملة والجلوس في البيوت، وبالحرى أن تقع السلامة المضمونة أو يكون الرجل حصوراً لا أرب له في النساء ولا جارحة له تعينه عليهن. وقديماً ورد: " من وقي شر لقلقه وقبقبه وذبذبه فقد وقي شر الدنيا بحذافيرها " (٤) ؛ واللقلق: السان، والقبقب: البطن، والذبذب: الفرج.

ولقد أخبرني أبو حفص الكاتب (٥) ، وهو من ولد روح بن زنباع الجذامي (٦) ، انه سمع بعض المتسمين باسم الفقه من أهل الرواية المشاهير، وقد سئل عن هذا الحديث فقال: القبقب: البطيخ.


(١) إذا كانت النفس لا تشير إلا إلى الشهوات ولا تقود إلا إلى الردى - كما يقول ابن حزم فكيف تكون جوهراً عجيباً رفيعاً علوياً! هنا يبدو الخلط الشديد بين النفس " الامارة بالسوء " والنفس التي " هبطت إليك من المحل الأرفع ".
(٢) في بعض الطبعات: الاكتمال.
(٣) بتروف والصيرفي ومكي: وحامل.
(٤) انظر اللسان (لقق) وعده حديثاً، وانظر الجامع الصغير ٢: ١٨٣) .
(٥) أرجح أنه أبو حفص أحمد بن محمد بن أحمد بن برد الكاتب، وقد كان يتردد على ابن حزم بالمرية (الجذوة: ١٠٧) .
(٦) روح بن زنباع الجذامي: أحد رجالات العصر الأموي شجاعة وخطابة وقدرة قيادية (توفي ٨٤/ ٧٠٣) انظر: تهذيب ابن عساكر ٥: ٣٣٧ وتاريخ ابن كثير ٩: ٥٤؛ وقد كانت دار جذام بالأندلس: شذونة والجزيرة وتدمير واشبيلية (جمهرة ابن حزم: ٤٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>