ولقد أخبرني ثقة صدق من إخواني من أهل التمام في الفقه والكلام والمعرفة وذو صلابة في دينه، أنه احب جارية نبيلة أديبة ذات جمال بارع، قال: فعرضت لها فنفرت، ثم عرضت فأبت، فلم يزل الأمر يطول وحبها يزيد، وهي لا تطيع البتة، إلى ان حملني فرط حبي لها مع عمى الصبا على أن نذرت أني متى نلت منها مرادي أتوب إلى الله توبة صادقة؛ قال: فما مرت الأيام والليالي حتى أذعنت بعد شماس ونفار؛ فقلت له: أبا فلان، وفيت بعهدك فقال: أي والله، فضحكت.
وذكرت بهذه الفعلة ما لم يزل يتداول في أسماعنا من ان في بلاد البربر التي تجاوز أندلسنا يتعهد (١) الفاسق على انه إذا قضى وطره ممن أراد أن يتوب إلى الله، فلا يمنع من ذلك، وينكرون على من تعرض له بكلمة ويقولون له: أتحرم رجلاً مسلماً التوبة.
قال: ولعهدي بها تبكي وتقول: والله لقد بلغتني مبلغاً ما خطر قط لي ببال، ولا قدرت ان أجيب إليه أحداً.
ولست أبعد أن يكون الصلاح في الرجال والنساء موجوداً، وأعوذ بالله أن أظن غير هذا، وإني رأيت الناس يغلطون في معنى هذه الكلمة، أعني " الصلاح " غلطاً بعيداً. والصحيح في حقيقة تفسيرها أن الصالحة من النساء هي التي إذا ضبطت انضبطت، وإذا قطعت عنها الذرائع أمسكت، والفاسدة هي التي إذا ضبطت لم تنضبط، وإذا حيل بينها وبين الأسباب التي تسهل الفواحش تحيلت في أن تتوصل إليها بضروب من الحيل؛ والصالح من الرجال من لا يداخل أهل الفسوق ولا يتعرض إلى المناظر الجالبة للأهواء، ولا يرفع طرفه إلى الصور البديعة التركيب؛ والفاسق من يعاشر أهل النقص وينشر بصره إلى