للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وأين هذا من نار جهنم. فهال المرأة ما رأت ثم عاودته، فعاودته الشهوة المركبة في الإنسان فعاد إلى الفعلة الأولى، فانبلج الصباح وسبابته قد اصطلمتها النار (١) . أفتظن بلغ هذا من نفسه هذا المبلغ إلا لفرط شهوة قد كلبت عليه أو ترى أن الله تعالى يضيع له هذا المقام كلا إنه لأكرم من ذلك وأعلم.

ولقد حدثتني امرأة أثق بها أنها علقها فتى مثلها في الحسن وعلقته وشاع القول عليهما، فاجتمعا يوماً خاليين فقال: هلمي نحقق ما يقال فينا. فقالت: لا والله لا كان هذا أبداً، وأنا أقرأ قول الله: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف: ٦٧) قالت: فما مضى قليل حتى اجتمعا في حلال (٢) .

ولقد حدثني ثقة من إخواني أنه خلا يوماً بجارية كانت له مفاركة (٣) في الصبا، فتعرضت لبعض تلك المعاني، فقال لها: لا، إن من شكر نعمة الله فيما منحني من وصالك الذي أقصى آمالي أن أجتنب هواي لأمره، ولعمري إن هذا لغريب فيما خلا من الأزمان، فكيف في مثل هذا الزمان الذي قد ذهب خيره وأتى شره.

وما أقدر في هذه الأخبار - وهي صحيحة - إلا أحد وجهين لا شك فيهما: إما طبع قد مال إلى غير هذا الشأن واستحكمت معرفته بفضل سواه عليه فهو لا يجيب دواعي الغزل في كلمة ولا كلمتين ولا


(١) قارن - مع تذكر الفرق - بين هذا وبين ما جاء في " ذم الهوى ": ٢٧٦ وروضة المحبين: ٤٦٠ وهي رواية اسرائيلية انظر كذلك ص ٤٦٥.
(٢) انظر تزيين الأسواق ١: ٩ حيث نقلت الحكاية عن طوق الحمامة، واشار إلى ذلك الدكتور الطاهر مكي، وكذلك وردت في ديوان الصبابة: ٢٠٨ وصرح هنالك باسم المصدر فقال: قال الحافظ أبو محمد الأموي؛ وانظر روضة المحبين: ٣٤٦.
(٣) مفاركة: هاجرة، وعند برشيه: معادلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>