للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في يوم ولا يومين، ولو طال على هؤلاء الممتحنين ما امتحنوا به لحلت (١) طباعهم وأجابوا هاتف الفتنة، لكن الله عصمهم بانقطاع السبب المحرك نظراً لهم وعلماً بما في ضمائرهم من الاستعاذة به من القبائح، واستدعاء الرشد، لا إله إلا هو؛ وإما بصيرة حضرت في ذلك الوقت، وخاطر تجرد انقمعت به طوالع الشهوة في ذلك الحين، لخير أراد الله عز وجل لصاحبه، جعلنا الله ممن يخافه ويرجوه، آمين.

وحدثني أبو عبد الله محمد بن عمر بن مضا (٢) عن رجال من بني مروان ثقات يسندون الحديث إلى أبي العباس الوليد بن غانم (٣) أنه ذكر أن الإمام عبد الرحمن بن الحكم غاب في بعض غزواته شهوراً وثقف القصر بابنه محمد (٤) الذي ولي الخلافة بعده ورتبه في السطح، وجعل مبيته ليلاً وقعوده نهاراً فيه، ولم يأذن له في الخروج البتة، ورتب معه في كل ليلة وزيراً وفتى من أكابر الفتيان يبيتان معه في السطح؛ قال أبو العباس: فأقام على ذلك مدة طويلة وبعد عهده بأهله، وهو في سن العشرين أو نحوها إلى أن وافق مبيتي في ليلتي نوبة فتى من أكابر الفتيان، وكان صغيراً في سنه وغاية في حسن وجهه. قال أبو العباس: فقلت في نفسي: إني أخشى الليلة على محمد بن عبد الرحمن الهلاك بمواقعة المعصية وتزيين إبليس وأتباعه


(١) في الطبعات: لجادت.
(٢) محمد بن عمر (وكتب في بعض الطبعات) بن مضا، كان من أهل الأدب مشهوراً بالفضل (الجذوة: ٧٢ والبغية رقم: ٢٢٥) .
(٣) وليد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد بن غانم: ذكره ابن الأبار (الحلة ١: ١٦٢) في ترجمة ابنه عبد الرحمن فقال " وولي وليد للأمير محمد بن عبد الرحمن خطتي الوزارة والمدينة وقاد جيش الصائفة الذي قدم عليه ابنه عبد الرحمن وكان عدده عظيماً " ثم ترجم له مستقلاً (٢: ٣٧٤) فأضاف: " وكان أديباً مرسلاً بليغاً وتوفي سنة ٢٧٢ " وأخباره في المقتبس (تحقيق الدكتور محمود مكي ط. بيروت) وللمحقق تعليقات ضافية عنه وعن أسرته ص: ٤٤٩، ٥٤١ إلا أن ابن حيان جعل وفاته سنة ٢٩٢ (والخطأ بين الرقمين سبعة وتسعة قديم) .
(٤) الأمير عبد الرحمن بن حكم (٢٠٦ - ٢٣٨ ٨٢١ - ٨٥٢) وابنه محمد بن عبد الرحمن (٢٣٨ - ٢٧٣/ ٨٥٢ - ٨٨٦) وانظر ص: ٩١ فيما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>