لا يقنع بشيء دونها لطمعه فيها، ولكن الذي لا يؤمن بها أي لا يطمع فيها لا يحس بها أصلا، وترى المسلم يحب ابنة عمه حبا مفرطاً على قدر طمعه في أن تصير اليه بينما نجد النصراني الذي لا يحق له الزواج من ابنة عمه لا يحس نحوها بشيء إطلاقاً، وترى هذا النصراني نفسه يعشق أخته من الرضاع بينما لا يحس المسلم بعاطفة نحوها لقلة طمعه فيها. ومعنى ذلك أن هذه الظاهرة الانسانية التي تسمى " الحب " ليس لها وجود إيجابي - في رأي ابن حزم - إلا عندما يدفعها الطمع إلى الوجود فتوجد وتتشكل وتصبح فعالة في حياة صاحبها. ولا يقتصر الطمع على توجيه الحياة الاجتماعية نحو الخير بل هو سبب للشر، وهو يدعو صاحبه إلى الذل، وهو الذي يحرك في الأفراد الأنانية العمياء حتى ليجعل بعض الناس يفضل نفسه على نفوس الآخرين في سبيل الحصول على ما يحدوه الطمع إليه.
فإذا كان الطمع بهذه القوة في حياة الأفراد فمن الطبيعي أن ينشأ عنه " الهم " وهو الظرف السالب في محور الحياة الاجتماعية.
ويصف ابن حزم جميع أدوار الحياة ومظاهرها بأنها محاولة لطرد الهم، وأن الناس جميعا يتفقون في هذه الغاية سواء في ذلك المتدين ومن لا دين له، والخامل والزاهد والفيلسوف العازف عن اللذات وغيرهم. فطالب المال يكد في سعيه ليطرد " هم الفقر "، والساعي وراء الشهرة يجري إليها ليطرد " هم الخفاء والخمول "، والراغب في اللذة يطلبها ليطرد " هم الحرمان من اللذة ". وقل مثل ذلك فيمن أكل وشرب وتزوج ولعب، فإن من يقوم بهذه الأمور إنما يحاول طرد الهم الناشئ عن أضدادها.
ولكن المنافسة في هذه الأمور تخلق هموماً جديدة كطعن حاسد أو ذم ذام. أما الشيء الذي يقتلع الهم من جذوره دون أن يثير بين عناصر المجتمع هماً جديداً فهو التوجه إلى الله تعالى، فتلك هي