إلى الفيلسوف الأخلاقي، ومن هذا الوضع نفسه ينظر إلى المجتمع، ويهتم بالفرد اهتماماً بالغاً، أما ابن خلدون فإنه عالم اجتماعي لا يعبر الفرد في فلسفته ومبادئه اهتماماً كبيراً. وابن حزم صاحب مذهب قائم على الاكتفاء بالنقل، وهو يتخذ من هذا النقل شاهداً على صحة النبوات والشرائع والتواريخ، بينما لا يرضى ابن خلدون بالنقل وحده في الخبر، لأنه يتحمل الخطأ والدس والتشويه، ومع كل ذلك فإن ابن حزم يظل مقدمة صالحة لذلك السموق الشامخ في الفكر الاسلامي كما يمثله ابن خلدون: أولا في تلك النظرة الإجلالية للتاريخ واعتباره علماً وثانياً في ذلك التقدير لمعنى التعاون في الحياة الاجتماعية، ذلك المبدأ الذي تلقاه ابن حزم عن أستاذه ابن الكتاني ودان به في نظرته الاجتماعية، فقد كان ابن حزم معجباً بقول ذلك الأستاذ " إن من العجب من يبقى في هذا العالم دون معاونة لنوعه على مصلحة، أما يرى الحراث يحرث له، والطحان يطحن له، والنساج ينسج له وسائر الناس كل متول شغلا له فيه مصلحة وبه إليه ضرورة " وعلى بساطة هذا الكلام فإنه يجمل أن يكون أساساً لتحويل الناس في المغرب عن الاتكالية والخمول اللذين كانا يصحبان التصوف حيثما حل. ومن هذه النظرة الايجابية إلى التعاون الإنساني في المجتمع المغربي، ومن تفشي الحياة الخاملة في طبقات الصوفية هنالك، استمد ابن خلدون، ولابد، شيئاً من تفسيراته. ومن مغالاة أهل الظاهر وإغراقهم في الاعتماد على النقل تولد لديه ما يبصره بالطريقة المثلى لتصحيح الأخبار وتمحيصها، فاهتدى إلى ضرورة المعرفة بالعمران البشري وقاده هذا إلى البحث عن مبادئ كامنة وراء ذلك العمران.