حزم فما هو إلا إنكار نظري، لأننا نتبع ما يقوله بالفعل في تدريس الشعر للطلبة قبل انتقالهم إلى طور النضج، ونجنبهم قراءة جزء كبير مما نهى عنه ابن حزم، ولعل هذا عينه هو عناه ابن حزم في نقده للشعر لأنه يرسم منهجاً في التعليم ويخضع كل العلوم لمقاييس تربوية.
- ٤ -
وقد نبهتني هذه المذكرات وغيرها إلى أن ابن حزم ربما كان من أولئك الرواد الذين مهدوا لابن خلدون طريقه لوضع علم الاجتماع. فذهبت أقارن بين الرجلين، ودلتني المقارنة على اتفاقهما في بعض المظاهر، مثل اعتقادهما ان التاريخ علم شريف الغاية " لأنه يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سريهم. حتى تتم في ذلك فائدة الاقتداء لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا "(المقدمة: ٩ ط. التجارية) .
ومنها إبطال علم النجوم لبطلان إمكان التجربة التي تحتاج آماداً طويلة لا يفي بها العمر الانساني، ومنها الإيمان بسلامة البداوة في أجسام أهلها واستغنائهم عن علم الطب بطرقهم الخاصة، إلى غير ذلك من نظرات لو جمعت لكان منها قدر صالح لإثبات مدى التشابه، ولكنه فيما يبدو لي - تشابه ظاهري يصل إليه كل مفكر على انفراد دون تأثر أو اتباع. وربما لم يكن ابن حزم من الأشخاص الذي تأثر بهم ابن خلدون، فابن خلدون لا يذكره بين من عنوا بشيء من التفسيرات الاجتماعية، ولا يحيل عليه حين ينصح الطلبة بقراءة كتب تفهمهم حقيقة السنة الإسلامية وتؤمن لديهم سلامة العقيدة، وربما كان اتباع ابن خلدون للمذهب المالكي يباعد بينه وبين الاستئناس إلى رأي رجل ظاهري كابن حزم كان عنيفاً في خصومه للمالكية. ثم هنالك ذلك البون الشاسع في النظرة الاجتماعية عند كل منهما، فابن حزم أقرب