وجل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) . والثاني أن يخطر الشيطان في قلبه، فيوسوس أنه قد فعل من الخير أكثر مما كان محمد يفعله فيهلك في الأبد، ويحيط عمله، ويجد صلاته وصيامه في ميزان سيئاته [رسالة التلخيص لوجوه التخليس، الورقة: ٢٤٢] .
- ٣ -
فإذا كان لابن حزم نظرات اجتماعية صادقة أو فلسفة أخلاقية موضحة الحدود فلابد ان تدرس هذه النواحي عنده في ظل فكرته الدينية، فهي التي كانت توجهه وتأخذ بيده في كل سبيل، وإن لم يخل من تأثر عام ببعض مبادئ الفلسفة الأخلاقية عند أفلاطون وأرسطوطاليس كمحاولته أن يفسر قيام الفضائل على أربعة عناصر - تنشأ من تجمعها المركبات - وهي العدل والفهم والنجدة والجود، وهذا يذكرنا برأي فلاطون، كما يذكرنا مبدأ التوسط بين طرفين بتعريف الفضيلة عند أرسطوطاليس. ولا شك أن كثيراً من محاكمات ابن حزم تظهر تأثره بالفلسفة والمنطق، وهو الشيء الذي عابه بن خصومه وشنعوا عليه بسببه. ولكن لا شك أيضاً أن الفكرة الدينية هي العامل الرئيس في توجيه ملكاته وذكائه، فبها استطاع أن يقول إن علم الشريعة أفضل العلوم وأجلها، وبسببها يظهر ابن حزم الناقد الأدبي جائراً في أحكامه على الشعر، فهو يراه من العلوم المتأخرة، ولكنه في حكمه خاضع لمبادئه الخلقية تمام الخضوع. ويرى أن يكون منهج التعليم قاصراً في الشعر على شعر الحكمة كأشعار حسان وكعب بن مالك وصالح بن عبد القدوس، ويرى كذلك أن يحال بين الطلبة وبين رواية أربعة أضرب من الشعر هي الغزل وأشعار التصعلك وأشعار التغرب وشعر الهجاء. وهذه التقدير للشعر صادر عن مبدأ تربوي قائم على تحكيم المبدأ الخلقي في تقويم الفن. ومهما يكن رأينا في ابن حزم الناقد، فلا شك أنه في موقفه من الشعر يمثل حلقة في تلك السلسلة الطويلة من قياس الشعر بمقاييس خلقية، وإذا نحن أنكرنا هذا الرأي على ابن