للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن من لا تقدر عليه ولا يقدر عليك. فالأول ذل ومهانة وليس من الفضائل، والرأي لمن خشي ما هو أشد مما يصبر عليه، المتاركة والمباعدة، والثاني فضل وبر وهو الحلم على الحقيقة، وهو الذي يوصف به الفضلاء، والثالث ينقسم قسمين: إما أن يكون الجفاء ممن لم يقع منه إلا على سبيل الغلطة والوهلة ويعلم قبح ما أتى به ويندم عليه، فالصبر عليه فضل وفرض، وهو حلم على الحقيقة، وأما من كان لا يدري مقدار نفسه ويظن أن لها حقاً يستطيل به، فلا يندم على ما سلف منه، فالصبر عليه ذل للصابر وإفساد للمصبور عليه، لأنه يزيد استشراء، والمقارضة له سخف، والصواب إعلامه بأنه كان ممكناً أن ينتصر منه، وأنه إنما ترك ذلك استرذالاً له فقط، وصيانة عن مراجعته، ولا يزاد على ذلك. وأما جفاء (١) السفلة فليس جوابه الا النكال وحده.

٤٧ - من جالس الناس لم يعدم هماً يؤلم نفسه، وإثماً (٢) يندم عليه في معاده، وغيظاً ينضج كبده، وذلاً ينكس همته. فما الظن بعد بمن خالطهم وداخلهم والعز والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم، ولكن اجعلهم كالنار تدفأ (٣) بها ولا تخالطها. (٤)

٤٨ -[لو لم يكن في مجالسة الناس الا عيبان لكفيا، أحدهما: الاسترسال عند الأنس بالأسرار المهلكة القاتلة التي لولا المجالسة لم يبح بها البائح، والثاني: مواقعة الغلبة المهلكة في الآخرة، فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالانفراد عن المجالسة جملة] .

٤٩ - لا تحقرن (٥) شيئاً من عمل غد أن (٦) تحققه بان تعجله


(١) ص: جواب.
(٢) ص: وانما.
(٣) ص: تدن.
(٤) زاد في ص: ليلة.
(٥) ص: لا تؤخر لا تحقرن.
(٦) ص: لا لأن.

<<  <  ج: ص:  >  >>