للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبي بلنسية، لقدرت أن ها الخلق معدوم في زماننا، ولكني ما رأيت قط رجلين استوفيا جميع أسباب الصداقة مع تأتي الأحوال الموجبة للفرقة غيرهما.

٩٧ - ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الاخوان والأصدقاء. فإن ذلك فضيلة تامة مركبة، لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم والجود والصبر والوفاء والاستضلاع والمشاركة والعفة وحسن الدفاع وتعليم العلم، وبكل حالة محمودة. ولسنا نعني الشاكرية (١) والاتباع أيام الحرمة، [فأولئك لصوص الاخوان وخبث الأصدقاء، والذين يظن أنهم أولياء وليسوا كذلك، ودليل ذلك] انحرافهم عند انحراف الدنيا (٢) ، ولا نعني المصادقين لبعض الاطماع، ولا المتنادمين على الخمر والمجتمعين على المعاصي والقبائح ونيل أعراض الناس والفضول وما لا فائدة فيه. فليس هؤلاء أصدقاء، لنيل بعضهم من بعض وانحرافهم (٣) عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم، وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل، [إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية وإما لنفس المحبة المجردة فقط. ولكن] إذا حصلت عيوب الاستكثار منهم [وصعوبة الحال في إرضائهم والغرر في مشاركتهم] وما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم [فإن غدرت بهم أو أسلمتهم لؤمت وذممت، وإن وفيت أضررت بنفسك وربما هلكت، وهذا الذي لا يرضي الفاضل بسواه إذا تنشب في الصداقة، وإذا تفكرت في الهم بما يعرض لهم وفيهم من] موت أو فراق، أو غدر من يغدر منهم كان السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم. وليس في الرذائل شيء أشبه بالفضائل من محبة المدح، لأنه


(١) الشاكري: الأجير؛ قيل أنه معرب " جاكر " ومعناه " السخري ".
(٢) ص: ولسنا نعني الشاكرية والاتباع أيام الدنيا لانحرافهم عند انحراف الدنيا.
(٣) د: فليس هؤلاء أصدقاء، ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض وينحرف عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>