للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلاح بهذا عياناً ما ذكرنا من أن المحبة كلها جنس واحد لكنها تختلف أنواعها على قدر اختلاف الأغراض فيها. وإلا فطبائع البشر كلهم واحدة، الا ان للعادة والاعتقاد الدياني تأثيراً ظاهراً.

ولسنا نقول إن الطمع له تأثير في هذا الفن وحده، لكنا نقول ان الطمع سبب إلى كل هم، حتى في الأموال والأحوال، فاننا نجد الانسان يموت جاره وخاله وصديقه وابن عمته وعمه لأم وابن أخيه لأم وجده أبو أمه وابن بنته، فاذ لا مطمع له في ماله، ارتفع عنه الهم بفوته عن يده، وان جل خطره وعظم مقداره فلا سبيل إلى أن يمر الاهتمام بشيء منه بباله؛ حتى إذا مات له عصبة على بعد أو مولى على بعد حدث له الطمع في ماله وحدث له من الهم والأسف والغيظ والفكرة بفوت اليسير منه عن يده أمر عظيم. وهكذا في الأحوال: فنجد الانسان من أهل الطبقة المتأخرة لا يهتم لإنفاذ غيره أمور بلده دون أمره ولا لتقريب غيره وإبعاده، حتى اذا حدث له طمع في هذه المرتبة حدث له من الهم والفكر والغيظ أمر ربما قاده إلى تلف نفسه وتلف دنياه وأخراه. فالطمع اذاً أصل كل هم (١) ، وهو خلق سوء ذميم. وضده نزاهة النفس، وهذه صفة فاضلة متركبة من النجدة والجود والعدل والفهم لأنه فهم (٢) قلة الفائدة في استعمال ضدها فاستعملها، وكانت فيه نجدة انتجت له عزة نفسه فتنزه، وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس فلم يهتم لما فاته، وكانت فيه طبيعة عدل حببت اليه القنوع وقلة الطمع. فاذا نزاهة النفس متركبة من هذه الصفات، فالطمع الذي هو ضدها متركب من الصفات المضادة لهذه الأربع الصفات، وهي الجبن والشح والجور والجهل.


(١) ص: أصل كل ذل وهم لكل هم.
(٢) م: رأى.

<<  <  ج: ص:  >  >>