للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما يضرك في أخراك وفي دنياك، وإن قل، فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم. ولن (١) يحمدك من ساعدته بل يشمت بك، وأقل ذلك، وهو المضمون، أنه لا يبالي بسوء (٢) عاقبتك وفساد مغبتك. وإياك ومخالفة الجليس ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا في أخراك، وإن قل، فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة، وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلاً.

١٥٥ - إن لم يكن بد من إغضاب الناس أو إغضاب الله عز وجل، ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الحق ومنافرة الخلق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق.

١٥٦ - الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظه أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب، فمن وعظ بالجفاء والاكفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته وصار في أكثر الأمور مغرياً للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجاً وحرداً ومغايظة للواعظ الجافي، فيكون في وعظه مسيئاً لا محسناً. ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ بما يستقبح من الموعوظ فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة. فغن لم يتقبل فلينتقل إلى الوعظ بالتحشيم وفي الخلاء. فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحيي منه الموعوظ. فهذا أدب الله تعالى في أمره بالقول اللين. وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه بالموعظة، لكن كان يقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا " (٣) . وقد أثنى عليه السلام على الرفق، وأمر بالتيسير، ونهى عن التنفير، وكان يتحول بالموعظة خوف الملل. وقال تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} (آل عمران: ١٥٩) وأما الغلظة والشدة فإنما تجب في حد من حدود الله، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد


(١) ص: ولم.
(٢) م: سوء.
(٣) انظر نموذجاً من ذلك في البخاري (ايمان: ٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>