خاصة. ومما ينجع في الوعظ أيضاً الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله، س فها داعية إلى عمل الخير. وما أعلم لحب المدح فضلاً إلا ها وحده، وو أن يقتدي به من يسمع الثناء. ولهذا يجب أن تؤرخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره، ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه، ويتعظ بما سلف.
١٥٧ - وتأملت كل ما دون السماء وطالت فيه فكرتي فوجدت كل شيء فيه، من حي وغير حي، من طبعه عن قوي أن يخلع [على](١) غيره من الأنواع هيأته ويلبسه صفاته. فترى الفاضل يود لو كان [كل] الناس فضلاء، وترى الناقص يود لو كان كل الناس نقصاء، وترى كل من ذكر شيئاً يحض عليه يقول: أنا أفعل أمر كذا وكذا، وكل [ذي] مذهب يود لو كان الناس موافقين له. وترى ذلك في العناصر، إذا قوي بعضها على بعض أحاله إلى نوعيته، وترى ذلك في تركيب الشجر وفي تغذي النبات والشجر بالماء ورطوبة الأرض وإحالتهما ذلك إلى نوعيتها. فسبحان مخترع ذلك ومدبره، لا إله إلا هو.
١٥٨ - ومن عجيب قدرة الله تعالى كثيرة الخلق، ثم لا نرى أحداً يشبه آخر شبهاً لا يكون بينهما فيه فرق. وقد سالت من طال عمره وبلغ ثمانين عاماً، هل رأى الصور فيما خلا مشبهة لهذه شبهاً واحداً، فقال لي: لا بل لكل صورة فرقها. وهكذا كل ما في العالم، يعرف ذلك من تدبر الآلات وجميع الأجسام المركبات، وطال تكرر بصره عليها، فإنه حينئذ يميز ما بينها ويعرف بعضها من بعض بفروق فيها تعرفها النفس، ولا يقدر أحد يعبر عنها بلسانه. فسبحان العزيز الحكيم الذي لا تتناهى مقدوراته.
(١) زيادة من م، وجاء في د: أن يخلع عن غيره من الأنواع كيفياته.