للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢١٣ - واما من علق على وهمه وفكره بان يبعد اسمه في البلاد ويبقى ذكره على الدهور، فليتفكر في نفسه وليقل لها: يا نفس أرأيت لو ذكرت بأفضل الذكر في جميع أقطار المعمور أبد الأبد إلى انقضاء الدهور ثم لم يبلغني ذلك ولا عرفت به أكان لي في ذلك سرور وغبطة أصلاً فلا بد من " لا " ولا سبيل إلى غيرها البتة، فإذا صح ذلك وتيقن فليتعلم يقيناً أنه إذا مات فلا سبيل له إلى علم انه يذكر أو انه لا يذكر، وكذلك وأن كان حياً إذا لم يبلغه.

ثم ليتفكر أيضاً في معنيين عظيمين أحدهما كثرة من خلا من الفضلاء من الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم أولاً والذين لم يبق لهم على أديم الأرض عند أحد من الناس اسم ولا رسم ولا ذكر ولا خبر ولا أثر بوجه من الوجوه. ثم من الفضلاء الصالحين من أصحاب الأنبياء السالفين والزهاد ومن الفلاسفة والعلماء والأخيار وملوك الأمم الدارة وبناة المدن الخالية واتباع الملوك أيضاً الذين انقطعت أخبارهم فلم يبق لهم عند أحد علم ولا لأحد بهم معرفة أصلاً البتة. فهل ضر من كان فاضلاً منهم ذلك أو نقص من فضائلهم أو طمس من محاسنهم أو حط درجتهم عند بارئهم عز وجل

ومن جهل هذا الأمر فليعلم انه ليس في شيء من الدنيا خبر عن ملك من ملوك الدنيا والأجيال السالفة ابعد مما بأيدي الناس من تاريخ ملك بني اسرائيل فقط، ثم ما بأيدينا من تاريخ ملك يونان والفرس وكل ذلك لا يتجاوز ألفي عام، فأين ذكر من عمر الدنيا قبل هؤلاء أليس قد دثر وفني وانقطع ونسي البتة

ولذلك قال الله تعالى: {ورسلاً لم نقصصهم عليك} (النساء: ١٦٤) وقال تعالى: {وقروناً بين ذلك كثيراً} (الفرقان: ٣٨) وقال الله تعالى: {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله} (إبراهيم: ٩) فهل الإنسان، وأن ذكر برهة من الدهر، إلا كمن خلا قبل من الأمم الغابرة الذين ذكروا ثم نسوا جملة

<<  <  ج: ص:  >  >>