للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحضاري " أن يجمع أسماء الكتب التي اطلع عليها ابن حزم وأفادته في هذا المجال (١) . ولكن كل ما يمكن أن يعد في هذا المقام يبدو قاصراً عن تصوير الحقيقة. إذ الواقع أن ابن حزم اطلع على أكثر ما دخل الأندلس من كتب تاريخية كتبها المشارقة. وعلى ما كتبه الأندلسيون أنفسهم، وذلك كله يصور مدى ما حصله في التاريخ الإسلامي بخاصة، فأما تواريخ الأمم الأخرى فيبدو أنه وقف فيها عند مصادر معينة، مثل التوراة والإنجيل وتاريخ يوسيفوس، والأرجح أنه قرأ تاريخ هوروشيوس الذي نقل عن اللاتينية في أيام عبد الرحمن الناصر كما كان واقفاً على التاريخ المعاصر راصداً له أو مشاركاً في صنعه؛ وإلى جانب الاطلاع على المؤلفات اعتمد أيضاً على الروايات الشفوية، ولقاء الشيوخ ومحاورة الأقران، وكان لوالده أقوى الأثر في توجيهه نحو التاريخ، بحكم شخصه ومكانته: فهو مصدر هام لكثير مما نقله من روايات لم تكن تقف عند ظاهر الخبر، بل تفعل في نفسه فعلها، وإلى مثل ذلك يشير بقوله: " حدثني وهزني الوزير والدي نضر الله وجهه " (٢) ، ولعل والده هو الذي نبه ذهنه إلى التقاط الغرائب والنوادر، لكثرة ما كان بقص عليه منها، ولمكانته في الدولة كان عارفاً بما يجري حوله من دقائق الأمور، كما أن تلك المكانة جعلت مجلسه حافلاً بشخصيات العصر، وفي ذلك المجلس استمع الابن إلى إلى الأحاديث الدائرة والروايات المختلفة، مثلما استمع إلى الشعراء وهم ينشدون المدائح في أبيه؛ وحين قضت الفتنة البربرية على ابن حزم بمفارقة قرطبة والتجوال في المدن الأندلسية، وسعت لديه مجال المشاهدة، مثلما كثرت من مصداره الشفوية، وأغنت خبرته بتجارب جديدة، ولو قيض لابن حزم أن يرحل إلى المشرق لتمرس بمزيد من الخبرة والاطلاع، ولأضاف إلى ثقافته عن طريق المؤلفات ثقافة عن طريق دراسة المجتمعات والعادات؛ ولا ريب في أنه حاول أن يستعيض عن خهذه الناحية بالإكثار من القراءة في مختلف العلوم فتكونت لديه حصيلة ثقافية متنوعة كان في مقدورها أن تمد مغرفته التاريخية بروافد متعددة (٣) .


(١) انظر ص: ١٤٨ - ١٦١ من الكتاب المذكور.
(٢) نقط العروس، الفقرة: ٧٦.
(٣) يقول ابن حزم في معرض الاطلاع والتجربة: " وقد شاهدنا الناس وبلغتنا أخبار أهل البلاد البعيدة وكثر بحثنا عما غاب عنا منها ووصلت إلينا التواريخ الكثيرة المجموعة في أخبار من سلف من غرب وعجم في كثير من الأمم.... " (الفصل ١: ١٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>