للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن حزم وذهنه، كان حضورا دقيقا، وأنا أقدر أنه حفظه في سن صغيرة حتى ظلت ذاكرته تستوعب منه عبارات مطابقة أو مقاربة؛ تأمل قوله: " وسمع بعض الحكماء قائلاً يقول الفراق أخو الموت فقال بل الموت أخو الفراق " (١) ؛ تجده علق بذاكرته من كتاب الزهرة ثم أنسيه نصاً، فأداه بحسب المعنى، وأصله في الزهرة: " وقد قال الجاحظ: لكل شيء رفيق، ورفيق الموت الهجر، وليس الأمر كما قال بل لكل شيء رفيق، ورفيق الهجر الموت " (٢) . ومثل هذا حدث له في إيراد الرأي الفلسفي حول انقسام الأصلي الأرواح الكريه، وقد ذكرت لك من قبل. فهذا التباين بين النص الأصلي والاقتباس لا يفسره إلا ان ابن حزم حين كان في شاطبة يكتب " طوق الحمامة " لم تكن لديه نسخة من كتاب " الزهرة، وإنما كان يستعيد بعض ما علق منه بذاكرته، وسنرى أثر كتاب " الزهرة " حتى في المنهج الذي بنى عليه كتابه.

٦ - خطة الرسالة:

وحين استجاب ابن حزم لما اقترحه عليه صديقه ونوى أن يكتب " رسالة في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة " دون تزيد او تفنن، أخذ يتصور خطة لتلك الرسالة، ولما كان يريد قول الحقيقة من غير تزيد أو تفنن، التزم بأن لا يورد إلا تجارب واقعية، مما وقع له هو نفسه أو مما وقع لغيره وحدثه به الثقات، وهذه الواقعية قد أبعدت عن رسالته حكايات الأسمار التي أدارها قصاص ذوو خيال - واسع أو ضيق - حول مشهوري العشاق، وأحداث العشق السالفة؛ وأنقذت رسالته من الجنوح إلى الخيالات مثلما أنقذنها رسالته من الجنوح إلى الخيالات مثلما أنقذتها من التردي في المبالغات، لان غايتها هي أن تصور لقارئها كيف يعيش الحب في الواقع، وفي الواقع الأندلسي على شكل خاص، كيف


(١) باب البين (رقم: ٢٤ ص: ٢١٥) .
(٢) الزهرة: ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>