للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطان بحظ، أن يسلم من المتالف، وينجو من المخالف. فإن تعرض لتأليف غمز ولمز، وتعرض وهمز، واشتط عليه، وعظم يسير خطبه، واستشنع هين سقطه، وذهبت محاسنه، وسترت فضائله، وهتف ونودي بما أغفل، فتنكس لذلك همته، وتكل نفسه وتبرد حميته، وهكذا عندنا نصيب من ابتدأ يحوك شعراً، أو يعمل رسالة، فإنه لا يفلت من هذه الحبائل، ولا يتخلص من هذا النصب، إلا الناهض الفائت، والمطفف المستولي على الأمد.

٩ - وعلى ذلك، فقد جُمع ما ظنه الظان غير مجموع، وألفت عندنا تآليف في غاية الحسن، لنا خطر السبق في بعضها، فمنها: كتاب الهداية لعيسى بن دينار (١) ، وهي أرفع كتب جمعت في معناها على مذهب مالك وابن القاسم، وأجمعها للمعاني الفقهية على المذهب، فمنها كتاب الصلاة وكتاب البيوع وكتاب الجدار في الأقضية وكتاب النكاح والطلاق. ومن الكتب المالكية التي ألفت بالأندلس: كتاب القطني مالك بن علي (٢) ، وهو رجل قرشي من بني فهر، لقي أصحاب مالك، وأصحاب أصحابه، وهو كتاب حسن فيه غرائب ومستحسنات من الرسائل والمولدات. ومنها كتاب أبي إسحاق [يحيى بن] إبراهيم بن مزين (٣) في تفسير الموطإ، والكتب المستقصية لمعاني الموطإ وتوصيل مقطوعاته من تآليف ابن مزين أيضاً. وكتابه في رجال الموطإ وما لمالك عن كل واحد منهم من الآثار في موطإه.

وفي تفسير القرآن: كتاب أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد (٤) ؛ فهو الكتاب الذي أقطع قطعاً لا أستثني فيه انه لم يؤلف في الإسلام تفسير مثله، ولا تفسير محمد بن جرير الطبري ولا غيره. ومنها في الحديث مصنفه الكبير الذي رتبه على أسماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فروى فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب ونيف. ثم رتب حديث كل صاحب على أسماء الفقه وأبواب الأحكام، فهو مصنف ومسند، وما أعلم هذه الرتبة لأحدٍ قبله، مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث وجودة شيوخه، فإنه روى عن مائتي رجل وأربعة وثمانين رجلاً ليس فيهم عشرة ضعفاء، وسائرهم أعلام


(١) الجذوة: ٢٧٩ وابن دينار (توفي ٢١٢هـ) وكان يعجبه ترك الرأي والأخذ بالحديث، ولم يورد الحميدي أسماء كتبه.
(٢) الجذوة: ٣٢٤ وابن الفرضي ٢: ٣ وهو من نسل عبد الملك بن قطن الفهري والي الأندلس (توفي ٢٦٨ بعد أن كف بصره) وله مختصر في الفقه على مذهب مالك.
(٣) الجذوة: ٣٥٠ وقد توفي يحيى سنة ٢٠٩، وانظر أيضاً ابن الفرضي ٢: ١٧٨.
(٤) الجذوة: ١٦٧ وهو ينقل النص الموجود هنا، وانظر ترجمته في الصلة ١: ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>