للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحمر (١) مُكثراً ثقة جليلاً، ولم أزل أسمع المشايخ يقولون: إن سبب خروجه إلى المشرق كان أنه خرجت بأنفه أو ببعض جسده قرحة، فلم يجد لها بالأندلس مداوياً، وعظم عليه أمرها، وقيل له: ربما ترقت وتفشغت فأدت إلى الهلاك، فأسرع الخروج إلى المشرق. فقيل له لا دواء لها إلا بالهند، وأنه وصل إلى الهند فأراها بعض أهل الطب هنالك، فقال له: أُداويها على إن تم برؤك وصح شفاؤك، قاسمتك جميع مالك، فقال: رضيت، فداواه. فلما أفاق دعاه إلى بيته وأخرج إليه جميع ماله وقال له: دونك المقاسمة المشروطة، فقال له الطبيب الهندي: أليست نفسك طيبةً بذلك قال: بلى والله! قال: فوالله لا أرزؤك شيئاً من مالك، ولكن آخذ هذا [الشيء] لشيءٍ استحسنه من آلات بيته. وقال له: إنما جربتك بقولي وأردت أن أعرف قيمة نفسك عندك، ولو أبيت ما داويتك إلا بجميع مالك، ولو لم تداوها لهلكت، فإنها قد كانت قاربت الخطر. فحمد الله عز وجل وانصرف، واشتغل في رجوعه بطلب العلم وروايات الكتب، فحصل له علم جمٌّ وبورك فيه.

- ٣ -

حدثني أبو محمد علي بن أحمد (٢) قال: حدثني أبو الوليد يونس بن عبد الله القاضي قال: لما أراد الحكم المستنصر غزو الروم سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، تقدم إلى والدي بالكون في صحبته، فاعتذر بضعف في جسمه، فقال المستنصر لأحمد بن نصر: قل له إن ضمن لي أن يؤلف في أشعار خلفائنا بالمشرق والأندلس مثل كتاب الصولي في أشعار خلفاء بني العباس أعفيته من الغزاة. فخرج أحمد بن نصر إليه بذلك فقال: أنا أفعل ذلك لأمير المؤمنين إن شاء الله. قال، فقال المستنصر: إن شاء أن يكون تأليفه له في منزله فذلك إليه، وإن شاء في دار الملك قال المطلة على النهر فذلك له. قال: فسأل أبي أن يكون ذلك في دار الملك وقال: أنا رجل مورود في منزلي، وانفرادي في دار الملك لهذه الخدمة أقطع لكل شغل، فأُجيب إلى ذلك. وكمل الكتاب في مجلد صالح، وخرج به أحمد بن نصر إلى الحكم المستنصر فلقيه بالمجلد


(١) جذوة المقتبس: ٨٢ (وبغية الملتمس رقم: ٢٧١) وابن الفرضي ٢: ٧٠ ينتهي في نسبه إلى هشام بن عبد الملك، رحل إلى المشرق سنة ٢٩٥ ودخل الهند تاجراً وكان يقول: خرجت من أرض الهند وأنا أقرر أن معي قيمة ثلاثين ألف دينار فلما قاربت أرض الإسلام غرقت فما نجوت إلا سيحاً لا شيء معي؛ عاد إلى وطنه سنة ٣٢٥ وكانت وفاته سنة ٣٥٨.
(٢) الجذوة: ٢٣٥ (والبغية رقم: ٨٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>