من ذلك وسأل ابا علي فقال له نحو ذلك، واتصل المجلس بالقاضي فكتب إلى الحكم المستنصر رقعة وفيها: [من الوافر]
جزى الله الخليل الخير عنا ... بأفضل ما جزى فهو المجازي
وما خطا الخليل سوى المغيلي ... وعضروطين في ربض الطراز
فصار القوم زرية كل زار ... وسخرياً وهزأة كل هاز فلما دخلنا على المستنصر قال لنا: أما القاضي فقد هجاكم، وناولنا الرقعة بخط يد القاضي، وكانت تحت شيء بين يديه، فقرأناها وقلنا: مولانا نجل مجلسك الكريم عن انتقاص أحدٍ فيه، لا سيما مثل القاضي في سنه ومنصبه، وإن أحب مولانا أن يقف على حقيقة ما أدركناه، فليحضره، وليحضر الأستاذ الأستاذ أبا علي، ثم نتكلم على كل كلمة أدركناها عليه، فقال: قد ابتدأكما والبادي أظلم، وليس على من انتصر لوم. قال أبي: فمددت يدي إلى الدواة وكتبت بين يديه: [من الوافر]
هلم فقد دعوت إلى البراز ... وقد ناجزت قرناً ذا نجاز
ولا تمش الضراء فقد أثرت ال ... أسود الغلب تخطر باحتفاز
وأصحر للقاء تكن صريعاً ... لماضي الحد مصقول جراز
رويت عن الخليل الوهم جهراً ... لجهل بالكلام وبالمجاز
دعوت له بخير ثم أنحت ... يداك على مفاخره العزاز
تهدمها وتجعل ما علاها ... أسافلها ستجزيك الجوازي
جزى الله الإمام العدل عنا ... جزاء الخير فهو له مجازي
به وريت زناد العلم قدماً ... وشرف طالبيه باعتزاز
وجلى عن كتاب العين دجناً ... وإظلاماً بنور ذي امتياز
بأستاذ اللغات أبي علي ... وأحداثٍ بناحية " الطراز "
بهم صح الكتاب وصيروه ... من التصحيف في ظل احتراز وأسقطنا نحن منها أبياتاً تجاوز الحد فيها.
قال: ثم أنشدتها المستنصر بالله فضحك وقال: قد انتصرت وزدت، وأمر بها فختمت، ثم وجه بها إلى القاضي، فلم يسمع له بعد ذلك كلمة.