للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٧ -

أخبرني أبو محمد علي بن أحمد (١) قال: أخبرني غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله الفهري اللغوي (٢) قال: دعاني يوماً رجل من إخواني إلى حضور عرس له في أيام الشبيبة والطلب، فحضرت مع جماعة من أهل الأدب، وأحضر جماعة من الملهين وفيهم ابن مقيم الزامر، وكان طيب المجلس صاحب نوادر، فلما اطمأن المجلس واستمر السرور بأهله، انحرف ابن مقيم إلينا وأقبل علينا، فقال: يا معشر أهل الإعراب واللغة والآداب، ويا أصحاب أبي علي البغداذي، أريد أن أسألكم عن مسألة حتى أرى مقدار علمكم، وسعة جمعكم، فقلنا له: هات بالله قل وأعد يا طيب الخبر، فقال: بماذا تُسمى الدُّويبة السوداء التي تكون في الباقلاء عند أهل اللغة العلماء فرجعنا إلى أنفسنا نفكر، فو الله ما عرفنا ما نقول فيها ولا مرت بأُذننا قط، وبهتنا، ثم قلنا له: ما نعرف، فقال: سبحان الله ما هذا وأنتم الضابطون للناس لغتهم بزعمكم! فقلنا له: أفدنا ما عندك. فقال: نعم، هذه تسمى البيقران. قال الفهري: فتصورت والله في ذهني، وقلت: فيعلان من بقر يبقر يوشك أن يكون هذا وعددتها فائدة، فبينا نحن بعد مدة عند أبي علي إذ سألنا عن هذه المسألة بعينها. قال الفهري: فأسرعت الإجابة ثقةً بما جرى فقلت: تسمى البيقران، فقال: من أين تقول هذا فأخبرته بالمشهد الذي جرى فيها، والحال في استفادتها، فقال: إنا لله، رجعت تأخذ اللغة من أهل الزَّمْر، لقد ساءني مكانك، وجعل يؤنِّبُني، ثم قال: هي الدّفْنِس، والدّنِفس. قال الفهري يطيب الحكاية: فتركت روايتي عن ابن مقيم لروايتي عن أبي علي.

- ٨ -

وأخبرني [أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الفقيه] (٣) أن المنصور أبا عامر لما فتح شَنْت ياقب (٤) أو غيرها من القلاع الحصينة التي يقال إن أحداً لم يصل إليها قبله، استدعي أبو عمر أحمد بن محمد بن دَرّاج (٥) وأبو مروان عبد الملك بن إدريس


(١) الجذوة: ٣٧٤ (والبغية رقم: ١٥٣٣) .
(٢) هو غلام أبي علي القالي، انظر المصدرين السابقين.
(٣) الجذوة: ١٠٤ (ترجمة ابن دراج) .
(٤) شنت ياقب SANTIAGO DE COMPOSTELA في أقصى الشمال الغربي من إيبيريا، وفيها قبر القديس يعقوب وإليه يحجون.
(٥) شاعر الأندلس في عصره، انظر التشبيهات: ٢٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>