للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعروف بابن الجزيري (١) ، وأُمرا بإنشاء كُتب الفتح إلى الحضرة وإلى سائر الأعمال، فأما ابن الجزيري فقال: سمعاً وطاعة، وأما ابن دراج فقال: لا يتم لي ذلك في أقل من يومين أو ثلاثة، وكان معروفاً بالتنقيح والتجويد والتؤدة. فخرج الأمر إلى ابن الجزيري بالشروع في ذلك، فجلس في ظل السُّرادق ولم يبرح حتى أكمل الكتب في ذلك. وقيل لابن دراج افعل ذلك على اختيارك فقد فسح لك فيه. ثم جاء بعد ذلك بنسخة الفتح، وقد وصف الغزاة من أولها إلى آخرها، ومشاهد القتال، وكيفية الحال، بأحسن وصف وأبدع رصف، فاستحسنت ووقع الإعجاب بها، ولم تزل منقولة متداولة إلى الآن، وما بقي من نسخ ابن الجزيري في ذلك الفتح على كثرتها عينٌ ولا أثر.

- ٩ -

وحدثني أبو محمد عل بن أحمد بن سعيد (٢) قال: أخبرني هشام بن محمد ابن هشام بن محمد بن عثمان المعروف بابن البشتني، من آل الوزير أبي الحسن جعفر بن عثمان المصحفي، عن الوزير أبي رحمه الله أنه كان بين يدي المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر في بعض مجالسه للعامة، فرفعت إليه رقعة استعطاف لأم رجل مسجون كان ابن أبي عامر حنقاً عليه لجرم استعظمه منه، فلما قرأها اشتد غضبه وقال: ذكرتني والله به، وأخذ القلم يوقع، وأراد أن يكتب: يُصلب، فكتب: يطلق، ورمى الكتاب إلى الوزير. قال: فأخذ أبوك القلم وتناول رقعة وجعل يكتب بمقتضى التوقيع إلى صاحب الشُّرط، فقال له ابن أبي عامر ما هذا الذي تكتب قال: بإطلاق فلان، قال: فحرد قوال: من أمر بهذا فناوله التوقيع، فلما رآه قال: وهمت، والله ليصلبن، ثم خط ما كتب، واراد أن يكتب: يُصلب، فكتب: يُطلق. قال: فأخذ والدك الرقعة، فلما رأى التوقيع تمادى على ما بدأ به من الأمر بإطلاقه، ونظر إليه المنصور متمادياً على الكتاب، فقال: ما تكتب قال: بإطلاق الرجل، فغضب غضباً أشد من الأول، وقال: من أمر بهذا فناوله الرقعة، فرأى خطه، فخط على ما كتب، وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، فأخذ والدك الكتاب فنظر ما وقع به، ثم تمادى فيما كان بدأ به، فقال له: ماذا تكتب فقال: بإطلاق الرجل، وهذا الخط ثالثاً بذلك، فلما رآه عجب وقال: نعم يُطلق على رغمي،


(١) عبد الملك بن إدريس الجزيري (- ٣٩٤) ، مصادر ترجمته مذكورة في كتاب التشبيهات: ٣١٧.
(٢) الجذوة: ١١٨ (والبغية رقم: ٤١١) واعتاب الكتاب ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>