للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب) مناظرة بينه وبين كبير من المالكيين حول قول ابن عباس في دية الأصابع: ألا اعتبرتم ذلك بالأسنان عقلها سواء وإن اختلفت منافعها. فالمالكية يرون هذا من باب القياس وابن حزم يراه نصاً جلياً في إبطاله. قال ابن حزم لمناظره: عن القياس عند جميع القائلين به وأنت منهم، إنما هو رد ما لا نص فيه إلى ما فيه نص، وليس في الأصابع ولا في الأسنان إجماع بل الخلاف موجود في كليهما، وقد جاء عن عمر المفاضلة بين دية الأصابع وبين دية الأضراس، وجاء عنه وعن غيره التسوية بين كل ذلك، فبطل هاهنا رد المختلف فيه إلى المجمع عليه، والنص في الأصابع والأسنان سواء، ثم من المحال الممتنع أن يكون عند ابن عباس نص ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسوية بين الأصابع وبين الأضراس ثم يفتي بذلك قياساً (١) .

وليس هذان المثلان إلا شيئاً يسيراً من ذلك الصراع المذهبي بين ابن حزم والمالكية، وهما نموذج لمناظرات أخرى عنيفة حامية. وقد ملأ ابن حزم كتبه الفقهية بردوده على فقهاء المالكية، ويبدو من حديثه عنهم - بوجه عام - انهم كانوا قد وقفوا عند حد المدونة والمستخرجة لا يتعدونهما إلى شيء، حتى لقد سئل عبد الله بن إبراهيم الأصيلي: كيف صفة الفقيه عندكم بالأندلس فقال: يقرأ المدونة وربما المستخرجة فإذا حفظ أفتى، فقال له سائله وهو شرقي: أجمعت الأمة على أن من هذه صفته لا يحل له أن يفتي.

وروى ابن حزم أيضاً هذه القصة قال (٢) : حدثني أبو مروان عبد الملك بن أحمد المرواني (٣) قال: سمعت احمد بن عبد الملك الإشبيلي المعروف بابن المكوي (٤) ونحن مقبلون من جنازة من الربض بعدوة نهر قرطبة وقد سأله سائل فقال له: ما المقدار الذي إذا بلغه المرء حل له ان يفتي فقال له: إذا عرف موضع المسالة في الكتاب الذي يقرأ حل له أن يفتي.

ولم يحمل ابن حزم على تقليد المالكيين وحدهم بل على التقليد عند غيرهم من أهل المذاهب الأخرى حتى قال في اتهامه لهم جميعاً: وأما أهل بلدنا فليسوا ممن يعتني بطلب دليل على مسائلهم فيعرضون كلام الله تعالى وكلام الرسول على قول صاحبهم


(١) الاحكام ٧: ٧٨.
(٢) الاحكام ٥: ١٢٩.
(٣) هو ابن المسن (أو المش) توفي سنة ٤٣٦ (الصلة: ٣٤٢) .
(٤) كبير أهل الفتوى في زمنه بقرطبة. توفي سنة ٤٠١ (الصلة: ٢٨ وترتيب المدارك ٤: ٦٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>