للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو مخلوق مذنب يخطئ ويصيب (١) .

وكان هذا التقليد هو الذي حال بين أولئك الفقهاء وبين الارتفاع إلى مستوى الأحداث - كما نقول اليوم - لأنهم كانوا يقفون عند رأي صاحبهم لا يتجاوزونه، وقد حدث في أيام الفتنة البربرية أن كان الناس في فزع من هجوم البربر عليهم بقربطة فسألوا فقهاءهم الجمع بين المغرب والعشاء لئلا يتعرض لهم متلصصة البربر في المنعطفات والدروب المظلمة فما استطاعوا أن يفتوهم بذلك جموداً عند حد التقليد.

ومن سيئات ذلك التقليد، أن كان أولئك الفقهاء ضعفاء في علم الحديث ومعرفة صحيحه من ضعيفه، عاجزين عن القيام بأمر الجرح والتعديل وتصحيح النقل إجمالاً. ومن المضحك في هذا الباب ما يقوله شيخ من شيوخ المالكية مقدم في مشاورة القضاة في كتاب ألفه مكتوب كله بخطه، وأقر بتأليفه وقرأه غير ابن حزم عليه " روينا بأسانيد صحاح إلى التوارة أن السماء والأرض بكتا على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة " (٢) قال ابن حزن: هذا نص لفظه، فلا اعجب من الشيخ المذكور في ان يروي عن التوراة شيئاً من أخبار عمر بن عبد العزيز.

ولم تنجح المناظرات في رد ابن حزم عن الاتجاه الذي اختاره لنفسه، فحاول المالكية - حسب قوله - إثارة العامة ضده، فلما أخفقوا في هذا أيضاً لجأوا إلى السلطان وكتبوا الكتب الكاذبة " فخيب الله سعيهم وأبطل بغيهم فعادوا إلى المطالبة عند أمثالهم فكتبوا الكتب السخيفة إلى مثل ابن زياد بدانية وعبد الحق بصقلية " فلم ينفعهم ذلك كله، فلجأوا إلى كتابة الرسائل إليه - كهذه الرسالة -.

ولا ريب في أن هذه الخصومة كانت من الأسباب التي جرت إلى أزمة شديدة وقع فيها ابن حزم، بالإضافة إلى تكاتف الأشاعرة وغيرهم ضده، وقسمت علماء بلده قسمين: قسم يريد إسكاته وقسم يدافع عنه، وقد سمى هو في المدافعين عنه جماعة من الفقهاء المشهورين. ولخص ابن حيان المؤرخ مشكلة ابن حزم خير تلخيص حين قال: " فلم يك يلطف صدعه بما عنده بتعريض ولا يزفه بتدريج بل يصك به معارضه صك الجندل وينشقه متلقيه إنشاق الخردل فيفر عنه القلوب ويوقع بها الندوب حتى استهدف إلى فقهاء وقته فتمالأوا على بغضه وردوا قوله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه


(١) الإحكام ٦: ١١٧ - ١١٨.
(٢) الإحكام ٥: ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>